محمد عزان

محمد عزان

تابعنى على

إن الله اصطفى قريشاً من كنانة

Sunday 15 July 2018 الساعة 09:05 am

حالة من الخواء الحضاري جعلت كثيراً من القبائل العربية تتغنى بأنسابها وتتفاخر بعشائرها، وحينما جاء النبي محمد وأعلن بكل وضوح وصرامة: {إنّ أكرّمّكُم عِندَ الله أتقَاكُم}، و«أنه لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى»، شعرت العصبيات العِرقية بأن بضاعتها سَتَبور وأن ليس بمقدورها إيقاف المد الإنساني الجارف؛ فذهبت معه وفي حسابها تَعْصِيْب الدين وتديين العصبيات.

وكان من مظاهر ذلك التعصيب: تصدير "مقولات التّفاخر الاجتماعي" على شكل أحاديث نبوية، تَنَاقلها المحدثونَ كما سمعوها وجمعها المدونون كما وجدوها، حتى أصبحت جزءًا من تراثنا الديني، خصوصاً في ظل هيمنة العصبيات العِرقية لمئات السنين.

ومن تلك المقولات: ما روى المحدثون عن شداد بن عبد الله القرشي، أنه روى عن واثلة بن الأسقع أن رسول الله قال: «إن الله اصطفى كنانة من بني إسماعيل، واصطفى من بني كنانة قريشاً، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم».

وهذه المقولة تفرد بروايتها شداد بن عبد الله القُرشي، ولم يسمعها غيره، لا من واثلة بن الأسقع ولا من غيره، وكأن مئات الآلاف من الصحابة والتابعين كانوا يغطّون حينها في نوم عميق!!

ومن أوضح سخافات هذه المقولة أنها تريد أن تجعل قريشاً مصطفاة حتى حينما كانت تعبد الأصنام وتحارب الدين وبالكاد تُجيد رعي الشاه والبعير!! كما تريد أن توحي بأنه تم اختيار نبي الرحمة على أساس عِرْقي، فما هو سوى نَتَاج عن خِيَار سبقوه!!

يا الله.. حتى النبوة صارت ضحية لهوس العصبيات ودعاوى الاصطفاء.

ومن اللافت أن هذه الرواية شهدت تطوراً مضحكاً وقع فيه السنة والشيعة معاً، ومن ذلك أن الرواة تنافسوا على إدخال قبائلهم فيها؛ بل إن بعضهم أصر على إدخال جدوده إلى جانب النبي، ومن ذلك:

(1) جاء في رواية ذكرها الخطيب البغدادي: «إن الله اصطفى من ولد آدم إبراهيم واتخذه خليلا، ثم اصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل، ثم اصطفى من ولد إسماعيل نزارا، ثم اصطفى من ولد نزار مضر، واصطفى من ولد مضر كنانة، ثم اصطفى من كنانة قريشا، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفى من بني هاشم بني عبد المطلب، واصطفاني من بني عبد المطلب».

(2) وجاء في رواية ذكرها ابن عساكر: «إن الله اصطفى العرب من جميع الناس واصطفى قريشا من العرب واصطفى بنى هاشم من قريش واصطفاني واختارني في نفر من أهل بيتي علي وحمزة وجعفر والحسن والحسين».

وهذا مما يؤكد أن العصبيات الاجتماعية والطموحات السياسية حولت الدين إلى منصّة تطلق من خلالها كل ما يحلو لها من دعاية وترويج، وأنه لابد من تنقيتها بشتى الوسائل.