د. عبدالصمد الصلاحي

د. عبدالصمد الصلاحي

أنماط التدين

Tuesday 24 December 2019 الساعة 05:01 pm

بداية يجب أن نفرق بين الدين والتدين، فالدين هو رسالة سماوية بينما التدين هو ظاهرة اجتماعية كنتاج لاعتناق الدين.

وهذه الظاهرة قد تتنوع وتتعدد على حسب الفهم والتفسير للنصوص وتأويلها.

تبدأ قصة التدين بقراءة النص ثم فهمه وادراك مضمونه والغرض منه، وهنا تكمن الخطوة المحددة للتطبيق، فالفهم السليم ينتج عنه تطبيق سليم واذا ما تم اساءة فهمه نتج الشذوذ والانحراف في التطبيق.

الإشكالية الأولى في فهم وتفسير النصوص هي أن التفسير للنصوص اصبح حقاً حصرياً للمعممين فقط حتى اولئك غير المجازين في التفسير من قبل هيئة دينية متخصصة بالإضافة إلى أن بعض من المعممين امتهنوا مهنة رجال الدين ليحظوا بمكانة اجتماعية.

الإشكالية الثانية التي ادت إلى التنوع في ظاهرة التدين هي ابتكار شعائر وطقوس في طرق العبادات المختلفة وكذلك جراء ظهور جماعات لديها فكرة دينية ذات بعد سياسي تتمحور حول الأحقية في الحكم.

قبل ان ندخل إلى سرد ومناقشة أنماط التدين لا بد ان نتطرق إلى فكرة المكونات الاساسية للنفس البشرية لكي نستطيع ربط تلك المكونات مع بعضها وعلاقة التأثير المتبادل فيما بينها.

النفس البشرية تتكون من ثلاث مكونات اساسية وهي: التدين والعاطفة والمعرفة، وبالتالي فإن تفاعل هذه المكونات الثلاثة نتاجه السلوك البشري الذي قد يكون سلوكا قويما أو منحرفا.

ولكي نوضح ذلك اكثر فإن المعرفة يتولد عنها تفسير سليم أو منحرف للنص، وهذا ينعكس على التدين والذي بدوره يؤثر على العاطفة (حب أو كراهية) واخيراً يأتي السلوك الذي قد يكون عنيفاً أو مسالماً نتيجة العاطفة المتكونة عن تأثير المعرفة على التدين.

ان المعرفة السليمة تقود إلى تدين اصيل والذي بدوره يقود إلى عاطفة متزنة وفي الأخير سلوك بشري متزن، وبهذا نكون قد وصلنا إلى المدخل لمناقشة انماط التدين لدى البشر بشكل عام سواء كان التدين اسلامياً أو مسيحياً أو يهودياً.

أنماط التدين:

1- التدين الإصيل: وهو ذلك التدين القائم على المعرفة السليمة الذي ينتج عن تفسير سليم للنص وبالتالي يكون نتاج ذلك تدينا اصيلا كما اراده الله ان يكون وكذلك عاطفة متزنة يغلب فيها الحب للمخالف وتمنى الخير والهداية له ويستقيم بذلك السلوك فتجد المتدين كائنا بشريا مسالما متعايشا مع الجميع بغض النظر عن اختلاف ديانتهم ومذاهبهم.

2- التدين الفكري: وهو ذلك التدين القائم على فكرة استندت إلى تفسير نوعي وتوظيف للنص ومثال ذلك فكرة الحاكمية الإلهية لدى الإخوان وفكرة الحق الإلهي لدى الشيعة، وهي بالتالي قائمة على معرفة غير سليمة وينتج عنها تدين متعصب للفكرة وعاطفة تتجلي بالكراهية للمخالف للفكرة ونتاجه سلوك يميل إلى العنف عبر ازاحة الاخر المخالف أو فرض الفكرة على المخالف بالقوة وهذا ما نحن واقعون فيه الآن.

3- التطرف: هو نمط آخر من أنماط التدين الذي يشابه التدين الفكري لكنه يتوفق عليه بجنوح العاطفة إلى الكراهية الشديدة والتكفير للمخالف والمفضية إلى التصفية للمخالف، وهذا ما يمارسه الارهابيون ولكنه بالفعل شكل من اشكال التدين الفكري.

4- التصوف: وهو قائم على معرفة مستندة إلى فلسفة ماهيتها الوجودية والحلول ولكنها لا تتعلق بالسياسة بقدر تعلقها بقيم الورع والزهد والتقوى لخلق متدين مثالي ذي سمو روحي غير مرتبط بالجانب المادي وهي طريقة عبادة بطقوس معينة اكثر من ان تكون تدينا والعاطفة فيها متزنة.

5- التدين الانفعالي: وهو تدين غير قائم على المعرفة ولكنه يقوم على العاطفة كرد فعل لموقف معين ويكثر هذا النمط لدى الاشخاص الذين يختارون نوعا من التدين نكاية بتدين اخر جراء مواقف عاطفية قائمة على الكراهية أو التعرض للظلم من قبل جماعة والدخول مع جماعة قوية بغرض تحقيق الانتقام أو الاستقواء، ومثله الدخول مع جماعة الإخوان نكاية بالسلفيين مثلاً أو الدخول مع السلفيين نكاية بالإخوان، وقد يفضي هذا النوع من التدين إلى سلوك خطير ومنحرف وعنيف يتولد عنه المواجهة والصراع.

6- التدين الهروبي: وهو اللجوء إلى التدين للهروب من مشكلة معينة ومثال ذلك تحول الكثير من اليسارين اليمنيين للتصوف اثناء فترة المطاردات من قبل النظام وذلك للهروب من واقعه أو قد يكون هروبا من فشل في تجربة في الحياة وعدم القدرة على مواجهة التحديات وخوض التجربة مرة اخرى، ومثال ذلك تدين التاجر الذي تعرض للإفلاس.

7- التدين التفاعلي: وهو ذلك التدين الذي نتج عن ردة فعل لموقف لحظي مثل التدين الناتج عن التعرض لحادثة مميتة بعد النجاة منها أو نتيجة موقف عاطفي نتيجة سماع محاضرة من رجل دين أو قراءة كتاب يتحدث عن الآخرة والنار والعذاب وغيره وهو طبعاً تدين عاطفي لحظي يزول بمجرد زوال الفعل.

8- التدين النفعي: وهو ذلك التدين الذي يلجأ اليه البعض لتحقيق مكانة اجتماعية أو مصحلة مادية ومثال ذلك الشيوخ الذين يعالجون بالقرآن ويعالجون السحر ويخرجون الجن وامثلته كثيرة.

هناك بالطبع انماط اخرى، لكن ما سبق هي اهمها ولعلنا نكون قد توفقنا في استعراض ومناقشة انماط التدين لكي يكون الناس قادرين على التمييز بين انماط التدين.

وفي الأخير أتمنى ممن يقرأ هذا المقال ألا يفسره بتفسيرات عاطفية مجافية لمضمونه وأن يجب التفريق بين الدين والتدين فالدين مقدس مكتمل غير قابل للنقد والتحليل، ولكن التدين ظاهرة اجتماعية جديرة بالمناقشة والتحليل، وذلك لكي نصوب مسار التدين ليكون تديناً اصيلاً قائما على معرفة حقيقية وعاطفة متزنة وسلوك قويم كما أراده الله أن يكون.

* من صفحة الكاتب على الفيسبوك