عبد الكريم الرازحي..ضمير الناس وحامل لواء الإبداع والدهشة (الحلقة الثانية)

متفرقات - Wednesday 01 April 2020 الساعة 08:30 pm
نيوزيمن، محمد القعود:

*محمد القعود*

*****

5

.. المبدع الضوء.. المبدع المتجدّد.. الأديب المتجذّر في أرض خصبة بالمجد.. الأديب الموقف في زمن الكلمة الذابلة والمنطفئة، والخاملة والمهادنة.. وفي زمنٍ يقدّسُ ويبجل العجول المفكرة، والعقول المجدبة والمعلبة والمتخشبة، وحملة المباخر، وباعة المبادئ ودعاة ومافيا الظلام والأفكار المضرّة، بصحة الإنسان والبيئة والأبقار..!!

عبدالكريم الرازحي الأديب الضوء.. الأديب الحرّ.. الأديب الحقيقي، الواضح، والواقف كالحقيقة، وكالرمح اليماني، في وجه الأنواء والزيف، والأقنعة الهشّة والوعي المجوّف والمزيَّف والثقافة المرتجفة والإبداع المشوّه..!!

عبدالكريم الرازحي، الأديب الحرّ الأصيل، في زمن البغال والمطايا والعقول والضمائر الصدئة، وفي زمنٍ صارت البغال تمتهن حرفة "الصهيل" ومحاولة تقليد رفع الرؤوس المكللة بالبطولات والكبرياء.. والوقوف كالأحصنة فوق منصات تتويج البطولة والمجد والانتصار..!!

عبدالكريم الرازحي، الكيان الثقافي الكبير.. يسكنه اليمن، ويزهر من خلال قصائده وكتاباته وإبداعاته.. وتطل منها هموم وأحلام الناس، وتخضرّ سطوره بحبره المغمّس في محبرة تلك الهموم النبيلة.. فهو ضميرهم والناطق الرسمي بأوجاعهم وأحلامهم وتطلعاتهم البريئة والمشروعة نحو الأجمل..

هذا الرازحي الحبيب.. ومن خلال صوره التي يصافحنا ويرشقنا بها، ويحاصرنا بروعتها، يذكرّنا بأنَّ "على هذه الأرض ما يستحق الحياة".. من خلالها يضخ في أوردتنا عزيمة أقوى لمقارعة الأهوال، وما يرفع من منسوب الأمل والثقة فينا، بأن القادم أجمل، والغد أبهى.. وأن وطناً يملك هذا الرصيد الضخم والعتيد والعريق من الجمال والبهاء والثراء الطبيعي والموروث الحضاري والإصرار على ممارسة الحياة، لا يخاف عليه من قبح وقتامة ومآسي الصراعات والحروب والمؤامرات والدسائس، المتهاوية والمتناثرة أمام ضحكة طفل قروي، ولا مبالاة فلاح وحارث أرضٍ سخية العطاء..

>> عبد الكريم الرازحي.. ضمير الناس وحامل لواء الإبداع والدهشة (الحلقة الأولى)


فكل قبيحٍ ورديءٍ ومتغطرسٍ وطامعٍ غاشمٍ، سيتبعثر بنفحة غضبٍ تنفثها زمجرة حارس حقل، وشاب ممشوق القامة يفلق الصخور الكؤودة بضربة مطرقة يهوي بها ساعده المفتول.

كما سيتلاشى ذلك الغاشم أمام صلابة أصغر عتبة بابٍ لبيتٍ قروي، انطلقت منها إلى رحاب الحياة والحضارات والمجد والخلود أقدام صّناع حضارة، وبناة أوطان وثلّة من أناس تحمل عقولاً وقلوباً وأفئدة وهاجةً وخفّاقة وعامرة بالحب والخير والسلام والإنجاز للأرض والإنسانية.

6

الرازحي الطاعن في الروعة مثلما حمل قلمه ويراعه وخطّ إبداعاته طوال سنين طويلة، حمل كاميراته البسيطة وتنقّل بها ورافقها كحبيبة في رحلاته المتعددة وشبه المنتظمة إلى عدة محافظات من بلادنا الحبيبة.. رحلات مباركة اطلق فيها لقدميه العنان لتقطع الفيافي والقفار والجبال والوديان والسهول والسفوح والهضاب والتباب، ومنح لكاميراته حرية الانطلاق والبحث والتأمل وتصوير وتوثيق ما تجده من مشاهد ومناظر ولقطات فاتنة وساحرة ومدهشة..

وفي كل رحلة، ومعها، وفي ختامها، كان وما زال ينشر حصيلة ما اصطاده وجناه وقطفه والتقطه من الصور الفوتوغرافية الفاتنة وذلك من خلال وعبر صفحته الشخصية في (الفيس بوك)، مما جعلها من الصفحات التي تحظى بمتابعة كبيرة وبإعجاب دائم ومتزايدٍ من متصفحي ومتابعي (الفيس بوك)، الذين وجدوا في تلك الصفحة وفي صورها المنشورة نافذة مشرعة للتعرف على زوايا وجوانب ومجالات جديدة ومختلفة ومثيرة في خارطة الوطن اليمني، وخاصة في تلك المناطق والأماكن التي زارها الرازحي وعقد معها علاقة صداقة وعلاقة حب ٍّوودٍّ وألفةٍ.. وجال في رباها بلوعة مشتاقٍ ولهفة عاشقٍ وهيام ووجد صوفي وحنين مغرمٍ ووَلَه قلبٍ تضطرم فيه لواعج الأشواق.

7

ولأنه الشاعر المبدع فهو يعرف أن الشعر صورة بليغة..والقصيدة لوحة بديعة يكتب تفاصيلها ويرسمها الشاعرالموهوب..

الشاعر المبدع عبدالكريم الرازحي خلال الشهور الأخيرة اتجه إلى كتابة قصائد ونصوص شعرية وإبداعية جديدة ومدهشة ومغايرة للسائد والمألوف والمعروف، ليس عن طريق الكلمات والمعاني والأخيلة.. وإنما عن طريق الصورة الفوتوغرافية بحبر الضوء وحساسية العين، وحسّ الفنان الذي يكتشف أين مكامن الجمال ودهشته وزاوية واتجاه المنظور الذي يمنح الصورة عمقها ويلمُّ بتفاصيلها ومكوناتها ومفرداتها وجمالياتها وبؤرة مركزها ومصدر قوتها وتوهج إبداعها وجاذبيتها وفتنتها..!!

8

إن السرّ في جمال وجماليات صور الرازحي الفوتوغرافية، يرجع -من وجهة نظري- إلى:

امتلاك الرازحي لعينين مدربتين على التقاط مشاهد الجمال، وله ثقافة بصرية متراكمة نتيجة لميلاده وقضاء طفولته في القرية وفي الريف، حيث تفتحت عيناه على جمال الطبيعة وفتنة القرية وموروثاتها وتفاصيلها ومكوناتها البديعة.

خزينهُ الثقافي والمعرفي والإبداعي وإدراكه بأن من مقومات الشعر العظيم هي الصورة الشعرية التي تبدع بلاغتها وتنحت حضورها وتفاصيلها المكثفة ولغتها المضيئة.. وفكرتها الوامضة، ودلالتها العميقة، ورسالتها البليغة بإيجازها الشامل/ الكامل.

فالشعر صورة موجزة لمشاهد وأفكار وتفاصيل جمّة كثيرة، والشاعر هنا فنان ومصور فوتوغرافي ماهر.. ولكونه شاعرا مبدعا، فهو يجعل من كل صورة قصيدة بصرية، غنية بالتفاصيل الجمالية والبلاغية الخلّابة.. صورة تقول ما لا تقوله الكلمات.. صورة تتغلغل في وجدان متلقيها وتجعله يثمل بنبيذ مفاتنها وروعة تفاصيلها.

9

صوره.. صور سردية بديعة.. تقدم المشهد من زوايا مدهشة.. ومن جوانب مذهلة ومن منظورٍ طاعنٍ في الروعة.. وفي لحظة مشحونة ومباغتة بالجمال والذكاء والبديهة الحاضرة والبساطة والتلقائية العارفة والملمة بأهمية اللحظة الفارقة بين اللقطة العادية واللقطة الفنية المذهلة والمثيرة للإعجاب..

لحظة يتلاقى فيها الزمان والمكان والمضمون عند نقطة تتقاسم وتتقاطع معها، يكون فيها للعين الحساسة والشاعرة قرارها الحاسم والسريع في أسر تلك اللحظة/النقطة بخيوطٍ من ضوءٍ منهمرٍ يرتدّ جمالاً.

10

صور الرازحي، بديعة تثرثر بالجمال وترشق متلقّيها بالفتنة.. صور مبدعة ودرر ونفائس ثمينة، ملتقطة بمهارة فنية من واقع يزخر بالروائع لمن يجيد اقتناصها، إنها صور صافية، خالية، من فضول وتدخّلات (الفوتوشوب) الجلفة، صور خالية من المحسنات والمؤثرات الإلكترونية وخالية من ألوان وضلال ومكونات برامج تحسين الصور الفوتوغرافية.

صور الرازحي، طبيعية ومناظرها ومكوناتها الغذائية والإبداعية خالية كلياً من الألوان والمنكهات والإضافات الكيميائية، صور طازجة، ودافئة، ناطقة بجمالها، وباكتمالها الطبيعي، بفصاحتها، ببلاغتها، بقوتها، وببلاغة تعابيرها وأصالة مكوناتها ومفرداتها وما فيها من إيحاءات ودلالات مباشرة وخفية.

هذه الصور، قصائد مكثفة ورؤى مثقلة بالرؤى ولوحات فنية محتشدة بالجمال والسرد البلاغي الفاتن، وأغنيات وأناشيد ومواويل صادحة ببوحها ومكنونها وآهاتها وعبق وعطر أسرارها.

صور ولوحات متدفقة بهويتها ومآثرها، صور تختزل الكثير من الكلام لتقدم اختزالاتها العميقة والقصيرة بمشهدٍ جليلٍ من ملامح وطنٍ نابضٍ بالمجد والثراء الحضاري والتاريخي والطبيعي.

11

الرازحي المعجون بعشق الأرض وسيرة وحياة الإنسان ومفاتن وسحر الأمكنة وجمال الطبيعة..

وكما في كتابته الإبداعية من جمال وسمو وبهاء ورسالة ومضامين سامية، هو كذلك في صوره الفوتوغرافية، أو بالأصح قصائده ولوحاته الضوئية، ينشر الجمال والبهاء والدهشة والبهجة والمعرفة والأحاسيس والمشاعر والأشجان النبيلة والقبلات الحميمة ومعالم ومعارف ومشاهد وسرديات حياة، لها طعمها ومذاقها ولونها وإيقاعها المختلف ومكوناتها ومنمنماتها وتفاصيلها المغايرة للمشاهد والمتلقي الغارق في صخب وضجيج المدن وأزمنة وأزمات إنسانها وكائنها المصفّد والمنمط بقيود وسلاسل كآبة المدينة.

الرازحي ومن خلال صوره البديعة ينقل إلى كائنات المدن المثقلة والمحاصرة بقبح ورداءة وغبار وبلادة وبلاهة الأسمنت والمشاعر البلاستيكية والخواء الإنساني، مشاهد ولوحات تضجّ بحياة الحياة وتشرق بنقاء الإنسانية وعبق الأرض الممزوج بعرق فلاحها وإنسانها وفوح حقولها وصباحات القرى وأغاني صباياها ومواويل أحلامها ودخان بيوتها وتفاصيل يومياتها الخالية من أنانية وعنجيهة وعزلة ووحشة مدن الأسمنت وعربدة الخواء في مفاصلها وأعماقها الخرسانية..!

(يتبع)

*من صفحة محمد القعود على الفيسبوك