أحمد العرامي يحلِّل معتقدات الحوثي والقاعدة وداعش.. محاولات “الهاشمية” استعادة دولة الإمامة من دولة سبتمبر62

السياسية - Thursday 28 May 2020 الساعة 09:14 pm
صنعاء، نيوزيمن

ضمن أبحاث “المدونة اليمنية” نشر أحمد الطرس العرامي، وهو كاتب وباحث في البنى والتحولات الاجتماعية والقبلية في اليمن، بحثه “مبدأ الجهاد لدى الحوثيين.. قراءة في المعتقد والتمثلات (دراسة)”.. يعيد نيوزيمن نشرها على ثلاث حلقات:

تمثل جماعة الحوثي واحدة من جماعات الإسلام السياسي التي ظهرت مؤخراً في الشرق الأوسط، واتخذت من العنف سلوكاً رئيسياً في التعبير عن رؤيتها، مثلها مثل “القاعدة” و”داعش”، وغيرهما من التنظيمات الإسلامية الجهادية، أو بتعبير أدق جزءاً من ظاهرة “الفاعلين المسلحين من غير الدول”، وإن كانت تختلف عن هذه التشكيلات في مجموعة من المحددات، والبنى، بيد أنها تلتقي مع معظمها في مبدأ جوهري يتمثل في “الجهاد” كمرتكز أساسي ومسوغ لممارسة العنف، وتقديس الموت، لكن هذا المبدأ يختلف لدى الجماعة مقارنة بالتنظيمات الجهادية الأخرى؛ هذا الاختلاف يتركز في الآليات أو التفاصيل أو التوقيت، لا في حقيقة المبدأ نفسه.

تسعى هذه الورقة لقراءة وفهم هذا المبدأ -مبدأ الجهاد- لدى جماعة الحوثي في الخطاب والممارسة، وكيف يتجلى في أدبياتها، وكيف يؤثر في ويتأثر بطبيعة الصراع الذي تخوضه الجماعة، وانعكاساته على الواقع العسكري لها، وعلى طبيعتها وبنيتها، وكذلك في رسم هوية صراعها مع القوى الأخرى في اليمن.

من نشر التعاليم الزيدية إلى الصراع الطائفي

تستلهم جماعة الحوثي -كجماعة دينية سياسية مسلحة- وجودها الفكري والديني، من تراث المذهب الزيدي، مثلما تقيم وجودها السياسي على أساس الدعوة إلى إحياء الإمامة/ الخلافة في اليمن، وجميع أعمال الجماعة تتكئ، على نحو ما، على إرث وتاريخ الأئمة الرسيين الهاشميين الذين حكموا اليمن 1000 سنة؛ انتهت بنهاية حكم أئمة الدولة المتوكلية في اليمن، إبان ثورة 1962م.. وهو ما ظل أبناء الطبقة الهاشمية يسعون لاستعادته، ومثلت جماعة الحوثي التطور الأخطر في هذا السياق، حين اتخذت من العنف والعمل العسكري سبيلاً لذلك.

وبينما كان قد اتخذ بعض الهاشميين، في مطلع التسعينيات، النشاط السياسي الحزبي سبيلاً لذلك، في ما يعرف بـ”حزب الحق” الذي كان قد تأسس، العام 1990، كحزب خاص بالطائفة الزيدية، ويقوده رجال دين ومرجعيات زيدية، أسس محمد بدر الدين الحوثي ما يسمى حركة “الشباب المؤمن”، في 1991م، والتي كانت تهدف إلى نشر الفكر الزيدي في أوساط القبائل الزيدية التي كانت قد بدأت المؤثرات الدينية السنية تكتسحها، لكنها سرعان ما تطورت إلى حركة مسلحة متمردة على الدولة، ففي 2002م تبنى حسين بدر الدين الحوثي، شعاراً للتنظيم: «الله أكبر.. الموت لأمريكا.. الموت لإسرائيل.. اللعنة على اليهود.. النصر للإسلام»، ليخوض حرباً مع القوات الحكومية، بدأت عام 2004م، حين قام أتباعه بجمع الزكاة من المواطنين في مناطق صعدة، وحين طالبت السلطات اليمنية بتسليم تلك الأموال، رفضوا، وكان ذلك سبباً في المواجهات المسلحة بينهم وبين الأمن اليمني، وقد تحولت تلك المواجهات المتقطعة إلى صراع طويل بينهم وبين الجيش اليمني، من 2004، وانتهاء بمعارك 2014م التي سوف تنتهي، في 21 سبتمبر من العام نفسه، بسيطرة الجماعة على العاصمة صنعاء، ومؤسسات الدولة، وإحكام قبضتها على خارطة واسعة من البلاد.

وبالرغم من الخطاب الذرائعي الذي تبنته الحركة في كل مرحلة من مراحل تطورها، إلا أنها تنطلق أساساً من مرتكزات وأسس دينية بحتة يتموضع الجهاد كواحد من أهم هذه المرتكزات لدى الجماعة ذات الهوية الحربية، والتي يبدو أنها انطلقت فيه من مبدأ تقرُّ به معظم الطوائف الزيدية، وهو مبدأ الخروج على الحاكم الظالم، ويختلفون في هذا مع المذاهب السنية، مثل المذهب الحنبلي (الوهابية) الذي كان قد انتشر بين الزيود في اليمن، ورأى الحوثيون أنه فكر ضال تكفيري يتعارض مع أساس هذه الفكرة -أي فكرة الخروج على الحاكم الظالم- ويبيح قتل النفس عبر العمليات الانتحارية (ويكيبيديا). وتأسيساً على ذلك، انطلق الحوثيون في محاربة الفكر الوهابي و الإخواني، عبر نشر الأفكار الزيدية في مناطق صعدة، ومن ثم صنعاء وغيرها، قبل أن يؤول ذلك إلى عمل عسكري جهادي تجلت ذروته ما بعد ثورة فبراير 2011م، في اليمن، في ما يعرف بحرب دماج بصعدة التي كانت تحتضن مدرسة دينية قائمة على الرؤية “الحنبلية”، أسسها الداعية السلفي “مقبل الوادعي”، وقد ابتدأ الصراع في منطقة دماج بحصار الحوثيين لها، ولأهلها، ومريدي حلقات الداعية “الوادعي”، العام 2011م، والذي أفضى إلى حروب طاحنة سوف تنتهي بقرار جمهوري أصدره الرئيس عبدربه منصور هادي، في 2014م، قضى بإجلاء السلفيين، ومريدي مدارس دماج، من منطقة دماج بصعدة، إلى محافظة الحديدة، ومحافظات أخرى.

وفي كل معارك الحوثيين التي تلت ذلك، وانتهت بسيطرتهم على العاصمة صنعاء، في سبتمبر 2014م، ظل المبدأ الجهادي هو المرتكز الأساسي في العمليات العسكرية التي قامت بها الجماعة، وإن كان ثمة خطاب مراوغ على المستوى الإعلامي، فعلى مدى الحروب التي خاضتها مضى خطاب الجماعة في اتجاهين أساسيين: أحدهما -وهو الظاهر- اتسم بمنح الصراع طابعاً محلياً وآنياً (على سبيل المثال خلاف قبلي في حالة حاشد، مطالب أبناء المحافظة وإقالة المحافظ في حالة عمران، الجرعة في حالة صنعاء)، بينما كان الخطاب في وجهه الآخر يتركز حول فكرة الحرب ضد “التكفيريين”، وهو توصيف وسع من نطاقه الحوثيون ليشمل كل خصومهم تقريباً، فبعد سلفيي دماج، أطلقه الحوثيون على حزب التجمع اليمني للإصلاح، والقوى الموالية له، بينما استخدموا مصطلح “الدواعش”، كمصطلح شعبي موازٍ للتكفيريين، فأطلقوه على القوات الحكومية المنضوية تحت لواء الشرعية وكافة التشكيلات القتالية في ما يعرف بالمقاومة، وهي تشكيلات لا تخلو من الجماعات الدينية السنية الجهادية، لكن الحوثيين يطلقون هذه التسمية في تعميم واضح، يمنح صراعهم معها طابع الحرب الطائفية، وإعلامياً “الحرب ضد الإرهاب” كخطاب يلقى تعاطفاً عالمياً.

في الحلقة الثانية:

الحوثية والحاكمية وسيد قطب والخميني.. الوطن أم ولاية آل البيت؟

نقلاً عن المدونة اليمنية موقع “تحليلي مستقل، يُعنى برصد التطورات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في اليمن، يرأس تحريرها ريدان المقدم

موقع المدونة