بالابتزاز والأحكام القضائية.. عبث وهمجية الحوثي تنهك القطاع الخاص

تقارير - Friday 02 June 2023 الساعة 10:39 am
صنعاء، نيوزيمن، خاص:

تتنوّع الممارسات التعسفية التي تمارسها ميليشيا الحوثي -ذراع إيران في اليمن، بحق التجار ورجال المال والأعمال في صنعاء وباقي المحافظات الخاضعة لسيطرتهم. جبايات وغرامات غير قانونية وصولاً إلى إصدار أحكام قضائية ومصادرة الشركات والمؤسسات التجارية.

طرق وأساليب عدة، تنتهجها تلك الميليشيات المدعومة من إيران لتضييق الخناق على القطاع الخاص، وإنهاكه والسيطرة عليه بشكل كامل. احتجاز لشحنات البضائع في منافذ جمركية واصلة مع المحافظات المحررة الخاضعة لسيطرة الحكومة المعترف بها دولياً، فرض رسوم جمركية، واستقطاع مبالغ مالية تحت مسميات عديدة.

كل هذه الإجراءات أثقلت كاهل المواطن بالدرجة الأساسية، ناهيك عن استسلام القطاع الخاص ورفعه الراية البيضاء مع استمرار الهجوم الحوثي الذي أوصل الاقتصاد اليمني إلى العجز والانهيار، وهروب رأس المال الوطني إلى خارج البلد.

تدمير ممنهج 

ما تضمنه بيان الاتحاد العام للغرف التجارية الصناعية والغرفة التجارية الصناعية بصنعاء قبل أيام من معلومات خطيرة، كشف حقيقة الوضع الاقتصادي في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، وما يتعرض له القطاع الخاص من ممارسات وإجراءات تعسفية من قبل وزارة الصناعة والتجارة والمكاتب التابعة لها والتي تخضع لسيطرة هذه الميليشيات المدعومة من إيران.

بحسب البيان فإن الممارسات المخيفة أضرت بالاقتصاد اليمني الهش وزادت من مخاوف انهيار المنظومة الاقتصادية، وضاعفت الأعباء على المواطنين، خصوصا ارتفاع أسعار المواد الغذائية، ناهيك عن اتساع دائرة الفقر وانتشار البطالة وتعقيد الأزمة الإنسانية.

وعقب قيام اتحاد الغرف التجارية والصناعية في صنعاء بنشر فضائح الممارسات والانتهاكات التي يتعرض لها التجار على يد الحوثيين من ابتزاز وفرض تسعيرة السلع واحتجاز البضائع وبيعها بالقوة. لجأت الميليشيات وكعادتها لأسلوب التهديد من أجل إخضاع التجار والقطاع الخاص، وهددت بفرض عقاب جماعي.

وأعلنت الميليشيات إغلاق 83 مخبزا بتهمة مخالفة الأوزان والأسعار التي فرضتها، وأحالت أكثر من 70 بلاغا ضد تجار ومحال تابعة لهم إلى النيابة الخاضعة لسيطرتهم تمهيدا لإصدار قرارات بإغلاقها.

ما يجري من تحركات ضد القطاع الخاص ليس وليد اللحظة، فخلال السنوات الماضية اتخذت الميليشيات قرارات تعسفية لإغلاق ومصادرة شركات تجارية كبيرة كان آخرها شركة «ناد فود» التابعة لمجموعة هائل سعيد أنعم -أكبر المجموعات التجارية في اليمن- حيث قامت الميليشيات بإغلاق مقر الشركة المتخصصة بالمواد الغذائية، بعد توجيه تهمة لها بعدم الالتزام بالتسعيرة التي فرضتها وزارة التجارة، كما قامت الميليشيات باعتراض طريق ناقلات الشركة وإفراغ حمولتها بالقوة والقيام ببيع منتجاتها من الألبان بالسعر المفروض.

نهج حوثي

وعقب ساعات فقط من صدور بيان اتحاد الغرف التجارية والصناعية في صنعاء، خرج وزير التجارة والصناعة في حكومة الحوثيين القيادي محمد مطهر، بتصريحات هدد فيها التجار من أية مخالفة أو محاولة فرار من مناطق سيطرتهم.

وأكد في لقاء على قناة المسيرة الناطقة بلسان الميليشيات الحوثية، أنهم مصرون على استهداف التجار تحت مبرر تصحيح أوضاعهم وتطبيق قرارات فرض التسعيرة المقرة من قبلهم. متوعدا من أن أي مخالفة سيتم التصدي لها ومعاقبة المخالفين، على حد تعبيره. 

وأضاف إن هناك لجانا تابعة للوزارة التي يسيطر عليها كلفت بالنزول للتجار، للتأكد من تنفيذ توجيهاتهم. وقال: إن الرقابة تشمل المخابز والبقالات والمطاعم، وإنه سيتم إحالة من يكرر المخالفة إلى النيابة والقضاء لتُتخذ تجاههم إجراءات صارمة قد تصل إلى الإغلاق النهائي.

وأشار الخبير الاقتصادي اليمني، عبدالسلام الأثوري إلى أن مليشيا الحوثي جاءت وأسست نظاما اقتصاديا خاصا بها بعيدا عن النظام الاقتصادي الذي كان سائدا في البلد قبل اجتياح الحوثيين لصنعاء. مضيفا: قامت الميليشيات بمنع العملة الجديدة، وأسست نظما تمارس الوصاية على كل ما له علاقة بالجانب المالي والاقتصادي، وفرضت سيطرتها على المؤسسات؛ سواء الخاصة، التي يسيطر عليها الحارس القضائي، أو المؤسسات الحكومية التي تُدِر منها أموالا طائلة، إضافة إلى سيطرتها على نشاط كثير؛ كإيرادات النفط والاتصالات والصرافة.

وعلق على البيان الصادر عن اتحاد الغرف التجارية والصناعية بالقول: إن ما تضمنه من أجراءات تعسفية يكشف المعاناة المتكررة للقطاع الخاص طيلة الثماني سنوات الماضية، من نتيجة الإجراءات التي تمارسها مليشيا الحوثي، من ضغوط وفرض جبايات وإتاوات، ومضاعفة الضرائب.

وأكد أن المليشيا لا تريد التأسيس لدولة، وإنما التأسيس لمرحلة تصفية كل ما هو موجود داخل البلاد، سواء أكانت مصالح مجتمعية أو مصالح الفئات المختلفة، أو بنية الدولة القديمة التي بنيت عليها خلال المراحل السابقة من التراكمات الاقتصادية.

أضرار كبيرة

تقرير حقوقي صادر عن منظمة سام للحقوق والحريات، قبل أيام، أكد أن ميليشيات الحوثي وعبر وزارة الصناعة والتجارة الخاضعة لسيطرتها أصدرت الكثير من القرارات والإجراءات التي أضرت بالقطاع الخاص ودمرته بهدف إخضاعه والاستحواذ عليه. مشيرا إلى أن الاقتصاد اليمني تعرض للتدمير الممنهج من قبل الحوثيين، وأن ما تبقى من هامش الاقتصاد أصبح في خطر ما لم يتم إيقاف هذا العبث.

وأشار إلى أن الإجراءات الحوثية زادت من تعقيدات الوضع الاقتصادي في اليمن، وتكبده خسائر فادحة. خصوصا في رفع الإيجارات على الحاويات، وإيقاف معاملات مئات التجار والشركات في تجديد سجلاتهم التجارية لأشهر وتوقيف مصالحهم دون مبرر قانوني.

وأكدت منظمة "سام" أن وزارة الصناعة الحوثية والمكاتب التابعة لها، تتحمل المسؤولية الكاملة الناتجة عن هذه الإجراءات التعسفية والتي ستلحق أضرارا بالغة بالاقتصاد اليمني، عدا عن توقف استيراد البضائع والإخلال بالمخزون الاستراتيجي للبلد، ونزوح وهجرة رأس المال الوطني بحثاً عن الأمن التجاري والاقتصادي.

ووفقا لتقرير منظمة سام الحقوقية فإن إغلاق الشركات والمنشآت التجارية دون صدور أحكام قضائية أو أوامر من النيابة المختصة واحتجاز السيارات المحملة بالبضائع دون مسوغ قانوني وفتحها بالقوة والتصرف بالبضائع وبيعها عنوة يخالف كل القوانين المتعارف عليها. مضيفا إن فرض قوائم سعرية يخالف أيضا القانون والدستور ونظام السوق الحر، كما أن فرض غرامات على شكل عقوبات بدون أي مسوغ قانوني مخالفة للمبدأ الدستوري القائل بأن لا غرامة ولا رسوم إلا بنص قانوني صريح. واعتبرت المنظمة الحقوقية كل ذلك ابتزازا وبلطجة ضد أهم قطاع لا زال يحافظ على بقاء السوق الاقتصادية باليمن.

كارثة كبيرة 

الإجراءات العبثية التي يقوم بها الحوثيون عبر وزارة الصناعة مع الملف التجاري بشكل عام وملف الاقتصاد والتجار بشكل خاص، أسهمت بشكل كبير في زيادة الأوضاع صعوبة، الأمر الذي ينذر بنتائج كارثية متوقعة في ظل الأزمة الاقتصادية العالمية الحالية الناتجة عن حرب روسيا وأوكرانيا إلى جانب الأزمات التي يعاني منها اليمن مسبقًا.

وأكدت منظمة سام الحقوقية على أن استمرار الحوثيين بسلوكهم الحالي سيزيد من تعقيدات الأوضاع الاقتصادية في البلاد وستنعكس تلك النتائج على الأفراد، محذرة من خطورة نفاد البضائع الأساسية وظهور أزمة جياع جديدة في البلاد، لا سيما بعد الممارسات القمعية التي تنتهجها وزارة الصناعة في المماطلة بإخراج البضائع من الميناء ووضع القيود والغرامات المتزايدة.

ودعت منظمة سام للحقوق والحريات ميليشيا صعدة للتوقف فورا عن كافة الإجراءات التي من شأنها خنق الاقتصاد اليمني المترهل والسماح للتجار والقطاع الخاص بالمساهمة في حل الأزمة الاقتصادية من خلال دعم عمليات الاستيراد والتصدير، والتخفيف من العقوبات والغرامات المفروضة والمساهمة في تسريع الجهود في إخراج البضائع ومراقبة المصانع والمحال التي تقوم برفع الأسعار بدلًا من المساهمة في تدمير القطاع الاقتصادي للبلاد.

الحارس القضائي.. يد النهب 

منذ الوهلة الأولى سعت الميليشيات الحوثية على تسييس القضاء الواقع في مناطقها مستغلة نفوذها السياسي والعسكري من أجل استصدار قرارات وأوامر قضائية لمصادرة ممتلكات الأفراد وخصومها السياسيين. وأسست الميليشيات ما بات يعرف بـ"الحارس القضائي"، وهي يد طولية تقوم بعمليات النهب وسلب الممتلكات ومصادرة الشركات والعقارات وتحويلها لصالح قيادات حوثية بارزة.

وظيفة الحارس القضائي في مناطق جماعة الحوثي وظيفة سياسية بحتة ولا علاقة لها بالقانون ولا بالقضاء كما هو متعارف عليه، حيث قامت الميليشيات بعد تشكيل هذه اليد الطولية مباشرة بحصر ومصادرة أموال وممتلكات المعارضين السياسيين لجماعة الحوثي خصوصا من خرجوا من صنعاء ثم قامت بمصادرة أموال بعض المقيمين تحت سيطرتها ومصادرة أموال بعض اليمنيين المغتربين والذين لا علاقة لهم بالعمل السياسي. كما قام الحارس القضائي الحوثي في عام 2018 باللجوء إلى القضاء من أجل إضفاء الصفة الشرعية على قراراتها.