ضرائب ونهب واستحواذ.. الحوثي آفة تصحّر تهدد قطاع الزراعة في اليمن

تقارير - Sunday 09 July 2023 الساعة 03:08 pm
عدن، نيوزيمن، خاص:

لجأ المئات من المزارعين في اليمن إلى الطاقة البديلة "الطاقة الشمسية" من أجل تأمين المياه لمحاصيلهم، بدلاً عن الوقود "الديزل" الذي يكلفهم مبالغ مالية كبيرة لاستخراج المياه من الآبار الجوفية وضخها للمزارع.

مزارعو مديرية الحدا في محافظة ذمار، وسط اليمن، سارعوا إلى استبدال مولداتهم الكهربائية التي تعمل بالوقود، وإحلال بديل عنها ألواحاً شمسية تقوم بتشغيل مضخات الشفط من الآبار والضخ إلى المزارع.

يقول أحد المزارعين في المديرية لـ"نيوزيمن": قبل الحرب العبثية الحوثية كنا نعتمد على الوقود "الديزل" في تشغيل المضخات وكانت تكلفتها بسيطة جدا، ولكن اليوم أصبح الحصول على لترات بسيطة من الديزل صعباً جداً، إلا عن طريق الأسواق السوداء التي تبيع الوقود بأسعار مضاعفة. 

وأضاف: خلال سنوات الحرب وحتى اللحظة لا يزال بعض المزارعين يتكبدون تكاليف كبيرة من أجل شراء الوقود لتشغيل مضخات الآبار وري المزارع والمحاصيل، مشيرا إلى أن الفائدة التي يجنيها المزارع تصبح قليلة جدا بعد إخراج مصاريف الوقود الباهظة.

وأوضح أن الكثير من المزارعين قاموا بتركيب منظومة الطاقة الشمسية في الآبار الجوفية التي تم حفرها بالقرب من المزارع، وبهدف تأمين مصادر مياه دائمة للمحاصيل وريها بشكل متواصل، مشيرا إلى أن المزارعين تخلصوا من أهم المشكلات التي تواجههم في الاستمرار بالزراعة وعدم العزوف عنها. إلا أن هناك مشكلات أخرى في الأسمدة والجبايات المفروضة من قبل المشرفين الحوثيين بينها "الخُمس"، والضرائب وغيرها من الأموال التي يتم أخذها بالقوة من المزارعين.

حل بديل 

تعد الأسواق السوداء لبيع الوقود التابعة للميليشيات الحوثية- ذراع إيران في اليمن، أحد أهم الموارد المالية التي تعتمد عليها القيادات الحوثية سواء في الثراء أو دعم العمليات العسكرية ضد المناطق المحررة ودول الجوار.

وتعد شريحة المزارعين أحد أهم الفئات التي تدر دخلاً كبيرا لتلك الأسواق الحوثية. حيث يضطر المزارع لشراء كميات كبيرة من الوقود بأسعار باهظة لتشغيل المولدات الكهربائية لري المحاصيل الزراعية التي تكون مهددة بالخطر والجفاف في حال عدم ريها بالمياه.

وعلى مدى السنوات ظلت الميليشيات الحوثية تختلق أزمات المحروقات خصوصا في مادة "الديزل" التي يعتمد عليها المزارعون لتشغيل مولداتهم الكبيرة. وظلت القيادات الحوثية المشرفة على الأسواق السوداء تستغل المزارعين وتجبرهم على دفع أموال طائلة مقابل الحصول على كميات الوقود المطلوبة.

ومع انتهاج المزارعين لنظافة الطاقة البديلة عبر الشمس، عادت الروح والحياة للكثير من الأراضي الزراعية التي بدأت بالتصحر لعدم قدرة ملاكها على شراء الوقود وري المحاصيل فيها بسبب ارتفاع تكاليفها.

يقول المزارع يحيى: اليوم بفضل الألواح الشمسية، تمكنا من توسيع الزراعة وانتاج مزيد من المحاصيل بعد توفير المياه دون عناء أو مشقة، موضحا أن الروح عادت للكثير من المزارع في مديرية الحدا، وبدأ الناس يتنفسون قليلاً بعد انتهاء أهم عقبة كانت تواجههم. 

ضرائب وجبايات قاتلة

لم تدم الفرحة كثيرة للمزارعين، فبعد عزوف المزارعين عن شراء الوقود من الأسواق السوداء، لجأت القيادات الحوثية إلى ابتكار أساليب جديدة من أجل قض مضاجع المزارعين مرة أخرى، وهذه المرة عبر فرض ضريبة جديدة على كل مستخدمي ألواح الطاقة الشمسية.

ووفقاً للمزارع يحيى وبعض العاملين في القطاع بمحافظة ذمار، تفاجأ المزارع بفرض ضريبة جديدة تتراوح ما بين 60 ألفا إلى 100 ألف ريال عن كل مزرعة، مقابل السماح بتشغيل ألواح الطاقة الشمسية وري مزارعهم. وتوعد المشرفون الحوثيون بملاحقة كل المزارعين الرفضين لدفع الضريبة الجديدة وسجنهم ومصادرة محاصيلهم.

لم تقتصر هذه المعاناة على فرض الضريبة فقط، وإنما طالبت المزارعين بعدم حفر آبار مياه في مزارعهم أو أراضيهم الخاصة إلا بعد استخراج تراخيص رسمية صادرة من قبل الجهات التابعة لهم. وهذه التراخيص مكلفة جدا تصل ما بين 4 إلى 5 ملايين ريال وتهدف إلى تحميل المزارعين أعباء جديدة للعدول عن قرار استخدام ألواح الطاقة الشمسية والعودة لشراء الوقود من أسواقهم السوداء.

كما فرضت الميليشيات الحوثية جبايات على المحاصيل، وكثف محصلو تلك الجبايات من نزولاتهم إلى المزارعين داخل القرى والأسواق المركزية والفرعية، ناهيك عن النقاط التفتيشية التي تنتشر بشكل كبير على الطرقات وبمداخل المديريات والمدن حيث يتم إجبار المزارع على دفع أموال كبيرة مقابل السماح لهم بالمرور وعرض محاصيله الزراعية.

لا تنتهي معاناة المزارعين هنا فقط، فهناك هم آخر متمثل في شراء الأسمدة والمبيدات، وهي احتياجات إضافية يتكبدها المزارع لأجل إخراج محصول متميز يتم بيعها في السوق. وهذه الاحتياجات تضاعف سعرها بشكل جنوني خصوصا مع إحكام الميليشيات سيطرتها على تجارة المبيدات والأسمدة بشكل كامل.

نهب الأراضي الزراعية

خلال سنوات الحرب التسع، كانت شريحة المزارعين، إحدى أهم الفئات الأكثر تضررا في اليمن من جرائم وانتهاكات الميليشيات الحوثية. ولم تكن هذه الشريحة الأكبر من القوى العاملة في البلاد، التي يصل نسبتها 73.5 في المائة من السكان، بعيدة عن الاستهداف الحوثي الممنهج.

إلى جانب ما يتعرض له المزارعون من انتهاكات وفرض جبايات ورسوم غير قانونية، وتحملهم تكاليف الوقود والاسمدة والمبيدات، برزت مؤخرا ظاهرة الاستيلاء على مساحات زراعية كبيرة في عدة محافظات يمنية خاضعة لسيطرة الميليشيات الحوثية. وآخر أعمال النهب الحوثية، البسط على أكثر من 1500 مزرعة في مختلف مديريات محافظة الجوف، الخاضعة لسيطرة الميليشيات، بطرق احتيالية جديدة.

وبحسب مصادر في مكتب الزراعة بمحافظة الجوف، فإن المليشيات الحوثية وسعت من تحركاتها واعمال النهب والبسط للسيطرة على المزيد من المزارع بطرق وحيل مخادعة وباستخدام القوة. وقامت خلال الفترة الماضية بتأسيس وإنشاء شركات ومؤسسات معنية بالقطاع الزراعي وشراء المحاصيل واحتكارها وذلك ضمن مخطط نهب المزارعين وأملاكهم.

وأشارت المصادر إلى أن الشركات والمؤسسات الحوثية على رأسها "مؤسسة تنمية وانتاج الحبوب" استولت على أكثر من 1500 مزرعة في كل من المتون وخب الشعف واليتمة والغيل. كما قامت تلك الشركات بعقد صفقات تجارية مخادعة مع شخصيات قبلية موالية لها تدعي ملكيتها للأراضي الزراعية التابعة للمواطنين والنازحين الفارين من جحيم الحرب الحوثية. 

كما طالت عمليات النهب الحوثية نحو 4900 هكتار في صحراء الجوف مملوكة للدولة تحت مسمى الأوقاف. حيث تم اخذ تلك المساحات وتسخيرها لمصالح الميليشيات التي أجبرت المزارعين على العمل فيها لتحقيق مصالحهم الخاصة. 

وأوضحت المصادر أن الميليشيات الحوثية وعبر مؤسساتها الزراعية المستحدثة أقدمت على استئجار مزرعة بمساحة تقدر ب(26) هكتاراً في وادي الخارد الخصيب، مقابل دفع 50 ألف ريال سنوياً على كل هكتار للمالك طبقا للمصادر القبلية.

كما أكدت المصادر سطو ما تسمى "مؤسسة الشعب الاجتماعية للتنمية" المملوكة للقيادي الحوثي أحمد الكبسي، على مزرعة الشعب ونهب ما يقارب 53 هكتاراً من الأراضي الزراعية المملوكة للدولة تحت مسمى الأوقاف. ووفقاً لمصادر قبلية، فقد أنشأت عصابة الحوثي مكتباً يسمى “مكتب الاستثمار الزراعي لتأجير الأراضي الزراعية”، للدفع بسماسرة تحت مسمى الاستثمار لشراء أراضٍ زراعية شاسعة في منطقة "اليتمة" مملوكة لقبيلة كاملة، من ثلاثة أشخاص فقط بأسعار ضئيلة، دون موافقة بقية مُلاك الأراضي.

تراجع الزراعة

محافظات عدة شهدت تراجعاً ملحوظاً في الزراعة، واختفاء عدد كبير من المحاصيل التي كانت تُزرع فيها، بسبب الاستهداف الممنهج لها من قبل الميليشيا الحوثية.

الفلاحون وقعوا بين كماشة حوثية تبدأ بالضرائب والجبايات ونهب المحاصيل وتنتهي بنهب المزارع والسطو عليها بالقوة أو بالحيلة. وهذا أثر بشكل كبير على تراجع إنتاج المحاصيل والذي يهدد بأزمة غذائية كبيرة في حال استمرار هذه الجرائم بحق القطاع الزراعي اليمني.

كما أن الشركات الوسيطة، كما يطلق عليها الحوثيون، تعمل كوسيلة استهداف ضد المزارعين، حيث تجبرهم على بيع محاصيلهم الزراعية لها وخصوصا الفواكه، بثمن زهيد، لتوزعه على الأسواق بأسعار مرتفعة جدا، جانية المليارات من عرق وكدح الفلاحين.

 فكما هو معروف تساهم الزراعة في اليمن بحوالي 80 بالمائة من الدخل القومي لليمن وتوفر فرص عمل لحوالي 54 بالمائة من القوى العاملة في جميع أنحاء البلاد. وكبدت أعمال الميليشيات الحوثية المدمرة لقطاع الزراعة البلد خسائر اقتصادية كبيرة، حيث كشفت تقارير حكومية رسمية عن أضرار وخسائر مباشرة تعرض لها القطاع الزراعي في اليمن منذ بداية الحرب ووصلت إلى نحو 111 مليار دولار.

التدهور المستمر لقطاع الزراعة، وعزوف المزارعين عن الاستمرار في إنتاج المحاصيل بسبب الجبايات وأعمال النهب والسطو الحوثية أدى إلى زيادة التهديدات بتوسع التصحر في البلد وانحسار المناطق الزراعية بشكل كبير. ووفقًا للمديرية العامة للغابات والتصحر؛ فإن ما يقرب من 97 في المائة من الأراضي الزراعية في اليمن مهددة الآن بزيادة التصحر، والذي يمثل حاليًا حوالى 90 في المائة من المساحة الزراعية في البلاد.

وعلى الرغم من هذا الوضع الكارثي الناتج عن الحرب الحوثية، لا يزال العديد من المزارعين اليمنيين يحاولون زراعة محاصيل كافية لتحقيق الاكتفاء الذاتي في منازلهم.