تحليل: البديوي يكشف أولويات دول الخليج.. لماذا حلّت الأزمة اليمنية ثالثاً؟

تقارير - Thursday 20 July 2023 الساعة 11:10 am
عدن، نيوزيمن، خاص:

قال الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي، محمد جاسم البديوي، إن تعنت الحوثيين هو السبب في استمرار الأزمة في اليمن، مشيراً إلى أن تعنت المليشيا الحوثية يتمثل في عدم جديتهم في "الدخول في حوار جدّي".

وتحدث البديوي في مقابلة مع قناة الجزيرة الأربعاء، مبدياً استعداد مجلس التعاون الخليجي لمساعدة اليمنيين في إنجاز تسوية سياسية "إذا توفرت لديهم الرغبة الجادة".

ومن خلال حديث البديوي، فإن دول الخليج في المرحلة الراهنة تركز كل جهودها على ما سماها: "التكامل الاقتصادي" في ما بينها، الأوضاع في السودان واليمن، والعلاقات مع إيران، وتداعيات الحرب الروسية الأوكرانية.

هذه الأولويات الخمس لدول الخليج العربي هي ما تشغل بال قادتها في هذه المرحلة، وترتيبها بحسب حديث البديوي يكشف أولوية كل قضية مقارنة بالأخرى، لكن جميع القضايا الخمس تبدو مترابطة كحلقات في سلسلة. فالحرب المشتعلة منذ ما يقارب العقد من الزمن في أكثر من دولة عربية أنهكت دول الخليج اقتصادياً وأصبح من المتوقع أن تولي اقتصادها الرقم واحد من بين الأولويات بالتوازي مع السعي لتهدئة الأوضاع في اليمن والسودان -أحدث البؤر الملتهبة في المنطقة- بعد أن قطعت شوطاً في تهدئة الأوضاع في سوريا ودعم عودتها إلى جامعة الدول العربية.

قنوات الأزمة اليمنية

من ناحية عملية تمضي الأزمة اليمنية حالياً في قنوات وخطوط إقليمية ودولية متفرعة؛ أبرز هذه القنوات هي الوساطة العمانية التي عملت على التقريب بين الحوثيين والسعودية بعد أن لعبت دوراً غير معلن تماماً في التقارب السعودي الإيراني الذي رعته الصين في مارس الماضي. عبر القناة نفسها سعت السعودية إلى التقارب مع الحوثيين في أبريل الماضي، لكن نتائج زيارة الوفد الدبلوماسي السعودي إلى صنعاء برفقة وفد عماني، لم تكن مُرضية للسعودية. 

يدل على ذلك انكفاء الرياض بعد تلك الزيارة وتركيز أولويتها على بناء اقتصادها بالتكامل مع بقية دول الخليج والاقتصادات العالمية الكبرى، وأبرزها الصين واليابان التي زار رئيس وزارئها الرياض الأسبوع الجاري ضمن جولة خليجية.

القناة الثانية التي تمر عبرها الأزمة اليمنية تتمثل في مساعي الوساطة الأممية، وترتبط هذه القناة بمصالح الدول الكبرى في اليمن، وأبرزها الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا ودول الاتحاد الأوروبي. وداخل هذه القناة تتصارع إرادة المصالح الدولية بصورة غير معلنة غالباً في سياق الأزمة اليمنية، لكن هذا الصراع يفصح عن نفسه في الأحداث الدولية الساخنة التي تجسد أبرزها الحرب الروسية الأوكرانية وشبكة التحالفات المعقدة فيها. 

أما القناة الثالثة وهي الأهم، فتتمثل بالصراع المعقد بين الأطراف اليمنية نفسها. جانب كبير من جذور هذا الصراع لا توليه القوى الإقليمية والدولية ما يستحقه من الاهتمام، خاصة الدول التي تدعم الحكومة الشرعية. وبينما تدعم إيران الحوثيين في مشروعهم الطائفي وتوفر لهم الدعم السياسي والدبلوماسي دولياً، تضغط دول التحالف العربي على الأطراف المناوئة للحوثيين للقبول بتسوية قائمة على الشراكة السياسية معهم بغض النظر عن اعتلال مشروعهم وصبغته الطائفية وطابعه السلالي. 

وفي حين تحيط المليشيا الحوثية أي خلافات بينية داخلها ضمن صراع الأجنحة بالسرية التامة، تساعدها إيران في احتواء أي بوادر صراع وترجيح كفة الموالين لها دون الحاجة إلى استدعاء قادة الصراع إلى طهران. وبالعكس من ذلك تدار الخلافات في الصف الجمهوري ضمن الحكومة الشرعية، وهي خلافات ما زالت تتناسل منذ بداية التدخل العسكري للتحالف العربي ويتم الإعلان عنها، سواءً إعلامياً أو بالمواجهات المسلحة، دون حذر من تبعات ذلك على القواعد الشعبية لكل طرف. وبالتالي، يبدو الصراع الدائر في هذه القناة مكشوفاً لكل من يريد تصعيده ومستعصياً على التهدئة أمام من يريد احتواءه.

تبعات الصراع المكشوف

بناء على المثل القائل "اتسع الخرق على الراقع" تبدو خلافات المعسكر الجمهوري أكثر تعقيداً من احتوائها من قبل الأطراف الراغبة بتوحيد الصف أو من قبل دول التحالف التي اتجهت مؤخراً إلى تحويل أولوياتها نحو مشاكلها الداخلية وعلاقاتها بدول الإقليم، خاصة إيران وتركيا، ونحو موازنة تحالفاتها الدولية في ضوء الحرب الروسية الأوكرانية. هذا التحول في ترتيب دول الجوار الخليجي لأولوياتها هو من تبعات الصراع المكشوف بين القوى المناوئة للحوثيين وعدم إدراكها لأولوياتها طيلة الثمان سنوات الماضية. وبعد أن كانت الأزمة اليمنية تحتل الأولوية القصوى لدول مجلس التعاون الخليجي، خاصة السعودية والإمارات، أصبحت في الدرجة الثالثة، ويمكن أن تؤدي المزيد من التباينات داخل الصف الجمهوري إلى دحرجة الاهتمام نحو الدرجة العاشرة.