التبشير بإنهاء الحرب في اليمن.. تكتيك أمريكي لاحتواء التصعيد أم فرصة لبتر ذراع إيران؟

تقارير - Thursday 16 November 2023 الساعة 08:18 am
المخا، نيوزيمن، خاص:

على وقع إعلان الخارجية الأمريكية عن جولة مرتقبة للمبعوث الأمريكي الخاص إلى اليمن، تيم ليندركينغ، بدأت وسائل إعلام عربية ودولية بنقل معلومات على لسان مصادر يمنية مطلعة، تبشّر بتوقع إعلان اتفاق لإنهاء حالة الحرب في اليمن كنتيجة لجولة المبعوث الأمريكي.

الأربعاء نقلت وكالة "سبوتنيك" الروسية عن ما وصفته بمصدر يمني مطلع، قوله إن "هناك توافقات تجري حول الملفات الإنسانية والرواتب وفتح الطرقات وفك الحصار وغيرها من الوسائل المفروضة أمميا منذ سنوات"، وهي المحاور التي تضمنتها مفاوضات السعودية مع مليشيا الحوثي خلال الشهور الماضية. المصدر قال أيضاً إن المبعوث الأمريكي تيم ليندركينغ والمبعوث الأممي إلى اليمن هانس جروندبرج قد يصلان الأربعاء إلى الرياض للمشاركة في النقاشات التي يجريها ليندركينغ مع "الشركاء اليمنيين والسعوديين والعُمانيين والإماراتيين وغيرهم" من الشركاء الدوليين للولايات المتحدة "لمناقشة الخطوات اللازمة لضمان وقف إطلاق نار دائم وإطلاق عملية سياسية شاملة بقيادة الأمم المتحدة"، كما جاء في بيان الخارجية الأمريكية الذي أعلن فيه عن جولة ليندركينغ في الخليج.

وفي حين أشارت الوكالة الروسية إلى التئام مجلس القيادة الرئاسي برئيسه وكامل أعضائه في الرياض قبل وصول المبعوثين الأمريكي والأممي، أوردت توقع المصدر نفسه بأن الاجتماع المرتقب في الرياض "قد يشمل على قرار بمخاطبة مجلس الأمن بانتهاء مهمة التحالف العربي" في اليمن!

موقع "العربي الجديد" القطري أورد أيضاً تصريحات لما قال إنه "أكثر من مصدر يمني" أفادت بأن "التفاهمات المبدئية" التي سبق التوصل إليها بين المملكة العربية السعودية ومليشيا الحوثي، يمكن أن "تنتقل إلى مرحلة الإعداد لخروجها إلى العلن، على أن تأخذ صيغة إعلان وقف الحرب بين الحكومة والحوثيين متى ما توافرت الظروف لذلك، وإن لم تطرأ مستجدات تعطل هذه الخطوة".

ما هي المستجدات المعطّلة؟

نظراً للوضع الراهن في اليمن وفي المنطقة العربية، هناك أكثر من مستجد يمكن أن يعطّل أي خطوة باتجاه إعلان وقف إطلاق النار الدائم أو إنهاء الحرب في اليمن. من ذلك عدم تورّع مليشيا الحوثي عن استغلال العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة لحشد وتجنيد المقاتلين إلى الجبهات وخطوط التماس مع قوات الحكومة الشرعية والأطراف الممثلة في مجلس القيادة الرئاسي، إضافة إلى استمرار ذراع إيران في إجراء مناورات عسكرية على الحدود السعودية الجنوبية مع اليمن، ومهاجمة أهداف سعودية على الحدود.

ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد، فالصواريخ والطائرات المسيرة التي تطلقها المليشيا الحوثية باتجاه إسرائيل، وتصريح زعيم المليشيا، بما في ذلك التهديدات التي أطلقها أثناء كلمته التي ألقاها الثلاثاء بمناسبة "يوم الشهيد" باستهداف السفن الإسرائيلية في البحر الأحمر، كل ذلك يقول بوضوح، سواء لأمريكا أو لدول التحالف العربي، إن الحوثيين ماضون في التصعيد الإقليمي، ولا يخفون استعدادهم ورغبتهم باستئناف الحرب ضد القوات الحكومية في المناطق المحررة، وضد الأهداف الحيوية في السعودية والإمارات.

تدرك السعودية والإمارات، وبالمثل أمريكا، أن مليشيا الحوثي هي أكثر الأذرع الإيرانية في المنطقة انفلاتاً، وأكثرها نقضاً للاتفاقات، وأن مطالبها فيما يخص الداخل تشمل وضع يدها على كامل الجغرافيا اليمنية، وفيما يخص الخارج الاعتراف بها كسلطة سياسية وحيدة في البلاد، ومنحها دوراً مؤثراً في القضايا الإقليمية وعلى رأسها القضية الفلسطينية التي تستثمرها في كل مناسبة لتحقيق أهداف سياسية وعسكرية.

بالتالي فمن المستبعد أن تجازف السعودية والإمارات، إحداهما أو كلتاهما، باتخاذ قرار بمخاطبة مجلس الأمن بانتهاء مهمة التحالف العربي الذي تقودانه في اليمن ضد المليشيا الحوثية ودعماً للحكومة الشرعية. حتى مع رغبة الدولتين، التي سبق أن عبرتا عنها في أكثر من مناسبة، في الانسحاب من التدخل العسكري ضد مليشيا الحوثي، فهما تدركان أن هذه المليشيا سوف تستمر في ابتزازهما سياسياً واقتصادياً عن طريق التهديد باستهداف أو الاستهداف الفعلي لمصالحهما الحيوية، سواء داخل أو خارج أراضيهما. فولاء المليشيا المطلق هو لإيران، وانتماؤها القومي ليس مفتوحاً على الوطن العربي الكبير، بل يقتصر على مؤاخاة أذرع إيران في المنطقة سلالياً وعلى موالاة أي دولة حليفة لإيران.

وفق هذه المعطيات، يمكن أن تحدث الكثير من المستجدات المعطلة لإعلان اتفاق ينهي الحرب في اليمن، حتى وإن كانت المعلومات المتداولة تقول إنه قد يكون على شكل "إعلان" وليس اتفاقاً موقّعاً من قبل أي طرف.

غموض رفيع المستوى وجبال من العراقيل

على الرغم من الأهمية النسبية للمعلومات المتداولة إعلامياً على ألسن مصادر وُصف بعضها بالرفيعة في الحكومة اليمنية، إلا أن الغموض والتردد يكتنفان هذه المعلومات، وبعض المصادر بدت بالفعل غير مطلعة على تلك "التفاهمات" بين المليشيا الحوثية وبين الجانب السعودي. وإضافة لذلك، نقل موقع "العربي الجديد" عن مصدر وصفه بأنه مقرب من رئيس مجلس القيادة الرئاسي، قوله إنه "من المبكر الحديث عن اتفاق وشيك"، لكن المصدر أشار إلى أن "الجانب الرئاسي والحكومي يخوض حالياً مشاورات داخلية لإنهاء التزاماته كافة في هذا الشأن".

تصريح المصدر المقرب من رئيس مجلس القيادة الرئاسي، رشاد العليمي، تضمن تأكيد "استدعاء" أعضاء المجلس إلى الرياض "إلى جانب الأحزاب"، وقال إن الحديث حول هذه المستجدات يدور عن مقترح "إعلان مبادئ"، على أن يطرح مجلس القيادة الرئاسي والأحزاب وجهة نظرهم في بنوده ويُبلّغ الحوثيون بها.

تعكس هذه المعلومات من ناحية، التزام المملكة العربية السعودية بما سبق أن قاله مسؤولوها في المفاوضات من أنها سوف تعرض النتائج التي تتوصل إليها مع الحوثيين على مجلس القيادة الرئاسي، ومن ناحية أخرى، أن بنود المفاوضات سوف تخضع لمخاض عسير من التعديلات التي قد يطرحها أو يفترض أن يطرحها رئيس وأعضاء المجلس الرئاسي وقادة الأحزاب السياسية. وكما أظهرت المفاوضات السابقة التي قادها المبعوثون الأمميون إلى اليمن، فإن النقاط الخلافية بين الحكومة الشرعية وجماعة الحوثي لا تقتصر على الجانب الاقتصادي أو العسكري، بل تتعدى ذلك إلى جوهر نظام الحكم الذي تريد الجماعة الحوثية أن تفرض عليه مبدأ "الولاية" المنحصرة في الأسرة الهاشمية. قد يكون هذا أكبر العراقيل التي تقف أمام أي اتفاق لإنهاء الحرب في اليمن، ومن المستبعد أن تقبل الحكومة والأطراف الممثلة في مجلس القيادة الرئاسي بشراكة سياسية مع جماعة مسلحة تدّعي الأفضلية الإلهية في الحق بحكم البلاد والاستئثار بمواردها الاقتصادية، وتسعى لفرض طابعها الطائفي الخاص على السياسة الداخلية والخارجية. قد لا تكون هذه مشكلة الدول الراعية للسلام في اليمن ولا حتى مشكلة دول التحالف العربي، لكنها ستبقى مشكلة أساسية في الملف اليمني ومن شأنها أن تعرقل أي عملية سياسية "يمنية-يمنية" حتى لو تمّ التوصل إلى توافق حول البنود الاقتصادية ووقف القتال بشكل دائم. 

أما المشكلة الأكثر بروزاً أمام أي اتفاق سلام في اليمن، فهي القضية الجنوبية. تشكّل المحافظات الجنوبية ثلثي مساحة الجمهورية اليمنية ومعظم المنشآت النفطية المنتجة والواعدة تقع في جغرافيتها، كما يقع فيها الشريط الساحلي الأطول المطل على باب المندب والبحر العربي. وإضافة لذلك، أصبح يوجد حامل سياسي قوي للقضية الجنوبية- المجلس الانتقالي ومكونات الحراك الجنوبي المتفقة مع توجهاته لفك الارتباط مع الشمال. بهذه الإمكانيات الطبيعية والسياسية، إضافة إلى القوة العسكرية التي أنشأها المجلس الانتقالي، سيكون من الصعب جداً، إن لم يكن من المستحيل، تجاوز القضية الجنوبية في أي تسوية سياسية. وربما تجدر الإشارة إلى تصريح سابق لرئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، عيدروس الزبيدي، قبل أشهر، رداً على سؤال حول إمكانية تحالف المجلس الانتقالي مع جماعة الحوثي، حيث قال: إذا كنا ما زلنا غير متفقين تماماً مع شركائنا في الحكومة، فكيف نتفق مع جماعة الحوثي! يشير هذا التصريح إلى عمق الصدع الذي أحدثه انقلاب مليشيا الحوثي على الحكم في 2014، وإلى الصدع الأكثر عمقاً الذي أحدثته أيضاً باجتياحها العسكري لعدن وبعض المناطق الجنوبية في 2015.

 تكتيك أمريكي أم بحث عن مبرر إضافي؟

توقيت التحرك الأمريكي لدفع جهود السلام في اليمن بالتزامن مع انخراط المليشيا الحوثية في حرب مع إسرائيل، يطرح الكثير من الأسئلة حول حقيقة الموقف الأمريكي من مسألة الإنهاء الفوري للحرب في اليمن من عدمه. صحيح أن إدارة الرئيس جو بايدن تعتبر هدنة أبريل 2022 في اليمن أحد إنجازاتها، كما يشير إلى ذلك محللون سياسيون غربيون، لكن اهتمام الولايات المتحدة بإنهاء الحرب في اليمن لم يبد أكثر جدية مثل هذه المرة.

تولد هذا الاهتمام، كما تشير جميع المستجدات على الساحة اليمنية والإقليمية، من إصرار مليشيا الحوثي على إطلاق الصواريخ والطائرات المسيّرة باتجاه إسرائيل. وفيما كان المراقبون الغربيون والإقليميون يعتبرون أن أمريكا لن تأخذ الهجمات الحوثية كمصدر تهديد خطير على إسرائيل أو على المصالح الأمريكية في البحر الأحمر والبحر العربي، يبدو أن تقديرات الموقف الأمريكي لخطورة التهديد قد تغيّرت بعد إسقاط المليشيا الحوثية لطائرة مسيّرة أمريكية في البحر الأحمر مطلع نوفمبر الجاري.

المراقبون للوضع في منطقة الخليج العربي اعتادوا على اعتبار تعامل أمريكا وحلفائها الغربيين مع مليشيا الحوثي، نوعاً من الابتزاز الذي تمارسه واشنطن على دول الخليج العربي عبر إبقاء هذه المليشيا كتهديد دائم لأمن الخليج وبالتالي الإبقاء على احتياج هذه الدول للوجود العسكري الأمريكي، خاصة أن مليشيا الحوثي مدعومة من قبل إيران وأذرعها في العراق ولبنان. التحليلات المستندة إلى أحداث ووقائع السنوات الثمان الماضية، تقول أيضاً إن أمريكا وبريطانيا سمحتا لمليشيا الحوثي بتطوير إمكانياتها العسكرية تحت مبررات مختلفة منها "محاربة تنظيم القاعدة"، لكن الهدف غير المعلن من ذلك هو إبقاؤها كمصدر تهديد مدعوم إيرانياً يجعل دول الخليج في حاجة دائمة لمساعدة أمريكا في حماية أمنها القومي ومصالحها الحيوية. لكن هذا التهديد بدأ الآن يطال إسرائيل التي تتعامل أمريكا مع أمنها ومصالحها كما تتعامل مع أمن أي ولاية أمريكية أو قاعدة عسكرية لها في أي مكان في العالم. وفي حين كان المراقبون يستبعدون أخذ أمريكا التهديد الحوثي على إسرائيل بالاعتبار كتهديد خطير نظراً لبعد الأهداف الإسرائيلية عن اليمن، فقد أصبحت السفن والطائرات الأمريكية في البحر الأحمر أهدافاً لصواريخ إيران المطلقة بأيدي الحوثيين من اليمن. ومع استمرار الحوثيين بالتهديد باستهداف المزيد من الأهداف الأمريكية والإسرائيلية، يبدو التحرك الأمريكي لتنشيط جهود السلام متجهاً نحو هدفين:

إما التمكن من تحييد هجمات مليشيا الحوثي على أهداف أمريكية في المياه الإقليمية اليمنية من خلال الضغط السياسي وإدراج هذا الشرط ضمن بنود أي اتفاق تسوية.

أو الحصول على مبرر إضافي لضرب ما راكمته المليشيا الحوثية من ترسانة عسكرية بمساعدة إيران وأذرعها في المنطقة، بمبرر "تبديد ما تراكم من جهود السلام" خلال السنوات الماضية، بحسب التحذير الذي وجهه للحوثيين قبل أيام، المبعوث الأمريكي إلى اليمن تيم ليندركينغ.

في جميع الأحوال، تشكّل هذه المستجدات فرصة أمام اليمنيين، وخصوصاً مليشيا الحوثي، لتحقيق مكاسب تخدم إحلال السلام في البلاد، لكنها بالنسبة لمجلس القيادة الرئاسي والأطراف المناوئة للمليشيا الحوثية، تعتبر فرصة ذهبية، إما لدفع عجلة السلام إلى الأمام عبر التمسك بالثوابت الوطنية الضامنة لتعايش وشراكة كل الأطياف السياسية، أو للضغط على القوى الدولية والإقليمية من أجل تنفيذ أهم أهداف التدخل العسكري للتحالف العربي، وهو إنهاء الانقلاب الحوثي عسكرياً وتخليص البلاد والمنطقة من شرورها.