ملامح مشروع إيران في اليمن بعين وزير عراقي

تقارير - Wednesday 21 February 2024 الساعة 09:26 am
صنعاء، نيوزيمن، خاص:

في مقابلة نشرتها صحيفة "الشرق الأوسط"، الاثنين، مع وزير الخارجية العراقي الأسبق هوشيار زيباري، سلط الضوء فيها على تفاصيل الوجود الأمريكي والتدخل الإيراني في العراق، وذلك في ضوء ما تشهده المنطقة اليوم من أحداث بعد عملية "طوفان الأقصى" التي قامت بها حركة حماس والعدوان الإسرائيلي الوحشي على قطاع غزة والضفة الغربية.

في تفاصيل هذه المقابلة تكمن الكثير من ملامح المشروع الإيراني في اليمن، ويمكن للمتابع اليمني التعرف على كواليس السياسة الإيرانية التي تخرج منها حتى الألفاظ والتعابير التي تستخدمها مليشيا الحوثي في خطاباتها وأدبياتها، مثل لفظ "الاستكبار العالمي" وغيره.

محاكاة حرفية

في معظم خطابات زعيم المليشيا الحوثية عبدالملك الحوثي وقادتها يستخدمون تعبير "قوى الاستكبار" ليس فقط لوصف أمريكا وبريطانيا وإسرائيل، بل أيضا لوصف دول الجوار الخليجي التي تعاني أصلا من الهيمنة والاستكبار الإيراني. ويضاف هذا التعبير إلى شعار "الموت لأمريكا" الذي ما زال النظام الإيراني يرفعه منذ بدء حقبة حكم الملالي بعد الانقلاب على نظام الشاه (الملكي).

وتتماهى قيادات أذرع إيران في المنطقة مع الخطاب السياسي والتعبوي الإيراني، ومن ذلك التذرع بمحاربة إسرائيل وأمريكا لبسط السيطرة على أكبر قدر من جغرافيا البلدان التي تتواجد فيها: اليمن والعراق ولبنان.

وعلى الصعيد العملي تحاكي مليشيا الحوثي إيران في استهداف السفن المرتبطة بإسرائيل وأمريكا، كما تنفذ سياسة مشابهة لسياسة إيران في العراق وتحديدا في إقليم كردستان، حيث قال هوشيار زيباري إن هناك هجمة حقيقةً من كل النواحي على الإقليم: "أمنياً، نرى من يهدد الإقليم بالمسيرات والصواريخ، ومصالح الإقليم الاقتصادية والمصافي وحركة الطيران التجاري والشركات الأجنبية لتقويض اقتصاد الإقليم. أيضاً مسألة تصدير النفط المتوقف، من إيقاف تصدير نفط الإقليم خسر العراق 7 مليارات دولار، كان يفترض أن تذهب إلى خزينة الدولة، وجزء منها حصة الإقليم".

وقال إن الإيرانيين "يتدخلون على كل المستويات، من مسألة الانتخابات وحقوق الإقليم الدستورية وحصة الإقليم من الموازنة العامة للبلد"، مرجعاً السبب في ذلك إلى أن الإقليم "ربما لديه استقلالية في اتخاذ القرار وفي المشاركة في بعض القرارات، لكن عنده استقلالية يعني إذا لم يعجبنا شيء نقول لا وعندنا الشجاعة. ربما هذا التوجه لا يرضي الآخرين الذين اعتادوا "نعم سيدي" في كل شيء يؤمرون به".

إيران وسياسة تفريخ المليشيات

ويؤكد زيباري حجم التأثير الإيراني في المنطقة قائلا: إيران مؤثرة جداً في إقليمنا من اليمن إلى غزة إلى لبنان إلى سوريا إلى العراق، متطرقا إلى دور المسؤولين الإيرانيين الذين كان لهم الدور البارز في ترسيخ هذا التأثير، وما أصبح يسمى اليوم "محور المقاومة". وقال: "كانت لدي نقاشات مع قائد "فيلق القدس" في "الحرس الثوري الإيراني" الجنرال قاسم سليماني الذي استهدفته القوات الأميركية في مطار بغداد في 2020، ومع علي لاريجاني الذي كان رئيس البرلمان الإيراني، ومستشار الإمام الخامنئي وزير الخارجية الأسبق علي أكبر ولايتي في 2007-2008".

وتابع: "كنا في زيارات مع رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء إلى طهران ونتناقش معهم، فأحد طلباتهم كان أنه: "أنتم يا أكراد ويا شيعة تخلصتم من الديكتاتورية، فالمفروض ألا تثقوا بالاستكبار العالمي وبالأميركيين. مفروض أنتم أيضاً تصيرون جزءاً من محور المقاومة". لكن الفرصة جاءت بعد تمدد "داعش"، وصارت دعوة الإمام السيستاني للدفاع عن العراق ضد "داعش" والجهاد الكفائي فرصة لتشكيل قوات "الحشد الشعبي". وأشار زيباري إلى أن كثيراً من الذين تطوعوا في القتال ضد داعش كانوا جادين وحقيقيين في هذا الموضوع، لكن (الإيرانيين) تدخلوا وشكلوا مليشيا تابعة لهم واستفادوا من هذا الغطاء الديني والحكومي، إلى أن أصبح "الحشد الشعبي" حاليا واقعاً وقوة موازية للجيش، وربما أقوى في تسليحه وفي إمكانياته.

وتعكس السياسة الإيرانية في استغلال الغطاء الديني والحكومي في تشكيل مليشيا "الحشد الشعبي" في العراق لمحاربة داعش، ما فعلته في اليمن حين دعمت مليشيا الحوثي تحت غطاء محاربة تنظيم القاعدة الذي كانت الحكومة اليمنية تحاربه وفي نفس التوقيت (2014)، مع اختلاف في طبيعة الوضع السياسي في اليمن الذي تمكنت فيه المليشيا الحوثية من الانقلاب على السلطة الشرعية بذريعة محاربة الفساد، وبالاستفادة بشكل انتهازي من احتجاجات فبراير 2011.

تهديد سليماني للرئيس العراقي

ووصف زيباري، قاسم سليماني بأنه كان دبلوماسيا في تعامله مع الحكومة العراقية، لكنه لم يكن يتنازل عن الأهداف التي يريد تحقيقها لدرجة أنه استخدم التهديد ذات مرة مع الرئيس العراقي آنذاك جلال طالباني.

وقال إن أحد طروحات سليماني في نقاشاته مع الحكومة العراقية كان قوله إن "نظام الجمهورية الإسلامية مهدد من الاستكبار العالمي ومن الصهيونية العالمية، لذلك نحتاج إلى أن نحمي نظامنا ونقاتل خصومنا وأعداءنا خارج بلدنا، ونشكل قوات غير نظامية". كما كان يقول أيضاً: "ربما لا نقدر على دخول حروب تقليدية مع دول كبيرة بالتكنولوجيا وبقدراتها، لكن في الحروب غير التقليدية ممكن أن نهزمهم بالاعتماد على قوات محلية نحن ندربها ونهيئها".

وأوضح أن سليماني "استخدم التهديد (مع الرئيس العراقي) في رسالة مكتوبة عندما كانت هناك جهود ومحاولات من الأكراد والسنة وبعض قيادات الشيعة لسحب الثقة من رئيس الوزراء نوري المالكي بعد التمادي ومحاولة التسلط والهيمنة والابتعاد عن المشتركات التي اتفقنا عليها"، مضيفا: "آنذاك كان تدخله (سليماني) حاسماً جداً في منع حصول ذلك".

وقال زيباري إن رئيس الوزراء اللبناني الراحل رفيق الحريري كان ينصحه في أكثر من مناسبة قائلا: "ديروا بالكم.. النظام السوري عنده أجندة في العراق والنظام الإيراني عنده أجندة في العراق، لكن الأجندتين مختلفتان، وربما تلتقيان في الهدف النهائي لمشاكسة الأمريكيين". وأشار مؤكدا إلى أن تلك النصيحة "ظهرت صحيحة. بعد سنين رأيناها"، حيث "تمدد نفوذ الإيرانيين وتوسع أكثر بالتأكيد، ودخل مفاصل مالية واقتصادية وأمنية وحكومية وبرلمانية، وعلى مستوى القضاء. عندهم نفوذ لا أحد يستطيع أن ينكره".

وذكر أنه كان في تعامله مع المسؤولين الإيرانيين يقول لهم: "تعاملوا معنا كدولة تحترمونها. تعالوا من الباب، تعرفون كيف، ونحن مستعدون أن نتعاون معكم. عندنا حدود مشتركة 1400 كيلومتر، وثقافة ودين وتاريخ. كل شيء عندنا. لكن أهم شيء أنه لا بد من أن تحترموا أن هؤلاء، حلفاءكم وأصدقاءكم، يريدون بناء بلد مختلف عن عراق صدام. هذا الموضوع كان النقطة الأولى والأخيرة في اتصالاتنا معهم"، في إشارة إلى أن الإيرانيين اتجهوا لإنشاء مليشيا تابعة لهم بدلا من التعامل مع الحكومة العراقية رسميا وفي إطار علاقات تعاون ثنائية بين دولتين.

طوفان الأقصى و11 سبتمبر

وفي سياق الأحداث المشتعلة في المنطقة العربية بعد هجوم "طوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر الماضي، قال زيباري إنه لديه قراءة للحدث مفادها أنه "كما غيرت هجمات 11 سبتمبر 2001 السياسة الدولية بضرب البرجين في أميركا، أعتقد أن ما أحدثه "طوفان الأقصى" في 7 أكتوبر الماضي ربما يغير قواعد اللعبة والسياسة في منطقة الشرق الأوسط، لأن ما حصل كان مختلفاً كلية عن كل الأحداث والمواجهات السابقة إطلاقاً. لذلك كنت من المتوقعين أن هذه الحرب ستتوسع وتتمدد، ولن تبقى في غزة أو في الضفة الغربية فقط. وفعلاً هذا ما حصل، من البحر الأحمر وباب المندب إلى غزة إلى جنوب لبنان إلى الجولان إلى القائم إلى شمال شرق سوريا. تقريباً ممكن وضعها في نفس الإطار".

وفي سياق توسع الصراع بعد هجوم السابع من أكتوبر، عبر زيباري مرارا خلال المقابلة عن قلقه على مستقبل العراق عموما وعلى مستقبل إقليم كردستان خصوصا، وقال إن المحكمة الاتحادية التي تمتلك إيران فيها نفوذا كبيرا تعرقل الانتخابات في الإقليم بشكل متكرر.

كما تحدث عن قصف إيران في يناير الماضي على أربيل والسليمانية تحت ذريعة قصف منشآت يستخدمها الموساد الإسرائيلي، واصفا هذا المبرر بالكذب والافتراء لأنه "حتى المسؤولون العراقيون الذين زاروا الموقع حين وقع هذا الهجوم الصاروخي الباليستي على رجل أعمال مع عائلته مع أطفاله وقتلت طفلة عمرها أقل من سنة، (رأوا) أن هذا كذب فظيع". وأضاف: "الموساد" موجود في كثير من الدول ويعمل بسرية وبطرقه الخاصة ولا يحتاج إلى يافطات وعناوين يقعد ويخطط. "الموساد" موجود ويضرب فيهم في قلب طهران، وموجود في كثير من العواصم الأخرى".

وقال زيباري إن ذلك القصف كان رسالة إيرانية لأمريكا، لأن طهران قصفت ثلاث دول في يوم واحد: باكستان، والعراق في أربيل، وسوريا في أدلب، حتى يرسلوا هذه الرسالة إلى أمريكا وإسرائيل أن "عندنا قوة ردع إذا تجرأتم علينا".

تضامن انتقائي لأذرع إيران مع فلسطين

وعن استغلال القضية الفلسطينية والعدوان الإسرائيلي الوحشي على قطاع غزة، واستخدام إيران وأذرعها في المنطقة التضامن مع الفلسطينيين كغطاء في صراعها مع أمريكا، أشار زيباري إلى الانتقائية التي تنتهجها المليشيات المسلحة التابعة لإيران في استهداف المصالح الأمريكية في العراق. وقال إنها دائما تستهدف أربيل وحرير وقاعدة عين الأسد في الأنبار، لكنها "لا تأتي على ذكر قاعدة "فيكتوري" في مطار بغداد، وهي أكبر قاعدة"، لأن لدى الإيرانيين ومليشياتهم في المنطقة "مصالح في الحركة والطيران وقضايا تهريب الأموال. لا يريدون مشكلات". كما قال إن مليشيا إيران في العراق لا تستهدف كذلك منشآت كبيرة لأمريكا، مستدلا بالهجوم على البرج 22 التابع لقاعدة التنف شمال شرق الأردن، والذي أسفر عن مقتل ثلاثة جنود أمريكيين، وكيف ردت أمريكا على الهجوم ردا دقيقا واستهدفت القيادات المسؤولة عن ذلك الهجوم.

وعقب مقتل الجنود الثلاثة في هجوم البرج 22 وبعد الرد الأمريكي، سارع وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان إلى زيارة العراق لفرملة المليشيات التابعة لطهران، وأعلنت هذه المليشيات وقف هجماتها على المصالح الأمريكية، الأمر الذي يؤكد أن هناك هامشا محدودا بمعايير إيرانية للتضامن مع فلسطين. وينطبق الأمر على التضامن الحوثي، حيث يحرص قادة الجماعة على عدم سقوط قتلى أو مصابين في هجماتهم على السفن المرتبطة بإسرائيل وأمريكا وبريطانيا في البحر الأحمر، رغم سقوط قتلى ومصابين من جانبها في الضربات الأمريكية البريطانية على المواقع العسكرية للجماعة. كما أنها تتفادى استهداف أي قواعد عسكرية أمريكية في البحر الأحمر، وأقربها إليها القاعدة الأمريكية في جيبوتي.

تسلط هذه التفاصيل المزيد من الضوء على المشروع الإيراني في اليمن وفي المنطقة العربية عموما، حيث تسعى طهران إلى حيازة أكبر قدر من النفوذ على حساب أمن واستقرار البلدان العربية. وهي في ذلك تواصل مساعي الهيمنة والنفوذ التي كان نظام الشاه يحاول تحقيقها في المنطقة العربية والقرن الإفريقي، وبنزعة قومية يستلهمها الإيرانيون من ماضي الإمبراطورية الفارسية الغابرة.