الحوثيون يغرقون اليمن بـ"مبيدات زراعية مسرطنة"

تقارير - Monday 22 April 2024 الساعة 09:56 am
صنعاء، نيوزيمن، خاص:

تعالى السخط الشعبي المندد بما تمارسه قيادات ميليشيات الحوثي من إجرام وعبث في جانب "قضية المبيدات والأسمدة الخطيرة" التي يجري استيرادها وتوريدها لليمن، رغم أنها محظورة لخطورة سمومها على صحة وحياة المواطنين.

ما تقوم به الميليشيات الحوثية من عبث بشأن تسهيل دخول وتمرير شحنات المبيدات المحرمة، أثار حملة شعبية مناهضة لهذه الأعمال الإجرامية. مطالبين بضرورة منع تداول هذه المواد الخطيرة التي تسبب الأمراض الخطيرة المسرطنة، ومحاسبة المتورطين في الإفراج عن الشحنة التي جرى تسهيلها إلى الأسواق المحلية لاستخدامها من قبل المزارعين.

وعلى مدى يومين، طغت الحملة غير المسبوقة على كافة مواقع التواصل الاجتماعي ضد المبيدات السامة والمسرطنة التي يتم استيرادها بتواطؤ من قبل القيادات الحوثية منذ سنوات، تحت مبرر أسمدة ومبيدات زراعية صالحة للاستخدام، غير أن تلك المواد فتكت بالآلاف من المواطنين بمختلف الأمراض القاتلة.

وتحت عناوين وهاشتاغات متعددة شارك الكثير من الأطباء والنشطاء والإعلاميين والحقوقيين اليمنيين في الحملة التي كشفت حقيقة العبث والتعمد الذي تمارسه الميليشيات الحوثية في جانب استيراد المبيدات والأسمدة المحظورة. الحملة أكدت أن تلك المبيدات المسرطنة جريمة بحق شعب بأكمله وتتحمل مسؤوليتها القيادات الحوثية التي تقوم بالمتاجرة بصحة وحياة المواطنين من أجل الثراء الفاحش.

تواطؤ قيادات بارزة

بحسب مصادر في صنعاء، استقبلت اليمن خلال العام الماضي 2023، عبر موانئ الحديدة الخاضعة لسيطرة الميليشيات الحوثية أكثر من 15 مليون لتر من المبيدات والأسمدة -بعضها محظور ومحرم استيراده. مشيرة إلى أن توجيهات صادرة من قيادات حوثية عليا سهلت عملية إدخال تلك الكمية الكبيرة. لافتة إلى أن اليمن ليست بحاجة إلى هذا الكم الهائل من الأسمدة والمبيدات نتيجة التراجع الكبير لقطاع الزراعة في ظل التضييق والخناق الذي تمارسه الميليشيات الحوثية ضد المزارعين.

وأشارت المصادر إلى أن احتياج اليمن من المبيدات سنوياً لا يتجاوز 3 ملايين لتر، بينما المستورد أعلى بكثير من هذا الرقم وهو ما يؤكد أن القيادات الحوثية لها يد في إغراق اليمن بهذه المبيدات التي خلفت الكثير من الأمراض المسرطنة والخطيرة.

ووفقاً للكثير من التقارير، تعد مجموعة دغسان التجارية، العصب الرئيسي للميليشيات الحوثية التي يجري من خلالها استيراد المبيدات الزراعية إلى اليمن طوال السنوات الماضية. وأصبحت الشركة مع السيطرة الحوثية تحتكر استيراد المبيدات والأسمدة إلى جانب تورطها بتهريب أنواع من المبيدات التي لا يسمح باستخدامها ومحظور دخولها لليمن وفقاً للقانون.

وخلال الأيام الماضية، جرى تسريب وثيقة رسمية صادرة عن القيادي الحوثي "أحمد حامد" منتحل منصب مدير رئاسة الجمهورية، إلى القيادي الحوثي عبدالملك قاسم الثور، المعين في منصب وزير الزراعة يطالب بالسماح بالإفراج عن شحنة كبيرة من الأسمدة المحظور استيرادها والمحتجزة في جمارك ميناء الحديدة. وهذه الشحنة الخطيرة تابعة لمجموعة "دغسان". الوثيقة تؤكد أن توجيهات السماح بمرورها صادرة من القيادي مهدي المشاط رئيس ما يسمى المجلس السياسي الأعلى.

وبحسب المصادر فإن الشحنة التي جرى الإفراج عنها من جمارك ميناء الحديدة بقوة السلاح، هي من نوع "بروميد الميثيل" وهذا المبيد معروف عنه أنه شديد السمية ومحظور. بحسب الوثائق الرسمية المسربة، تم إخراج الشحنة المحظورة من ميناء الحديدة التابعة لشركة "سبأ العالمية" المملوكة للتاجر الموالي للجماعة الحوثية عبد العظيم دغسان، وبأوامر قيادات حوثية عليا.

ووجه الناشط محمد عبدالكريم الخيواني -نجل الصحفي والإعلامي البارز في الميليشيات الذي اغتيل على يد مجهولين في صنعاء 2015-اتهامات مباشرة إلى رئيس المجلس السياسي الأعلى للجماعة مهدي المشاط بالتورط في الإفراج عن شحنات مبيدات سابقة. مشيرا إلى أن الإفراج عن شحنات المبيدات ليس وليد اللحظة بالنسبة لسلطة صنعاء.

وقال محمد الخيواني في تغريدة على منصة إكس: ‏إن "إحدى عمليات الإفراج عن المبيدات تمت بداية عام 2015 لحاويتين حجزهما الأمن القومي كونها مخالفة ومحظورة". مضيفا إن "المشاط يفهم ما أعنيه، ويعرف كيف غضب المولى (يعني زعيم جماعة أنصار الله) حينها، ولكن عندما بدأ العدوان واختلطت الأمور كانت بمثابة الفرج".

ارتفاع أمراض السرطان

مع تصاعد الحملة المناهضة لاستيراد المبيدات المحظورة، أعاد الكثير من الأطباء والنشطاء تذكير العالم بما تخلفه هذه المواد السامة بحق صحة الشعب اليمني. وأبرز الكثيرون إحصائيات حول تزايد أعداد حالات الإصابة بالسرطان في صفوف المواطنين.

وبحسب التقارير الصحية، يبلغ عدد المصابين بالأورام السرطانية في اليمن حتى نهاية العام 2022 نحو 44 ألف مصاب، تصدرت فيه محافظة إب التي تشتهر بالزراعة أعلى قائمة المصابين بالأورام بنحو 700 مصاب ومصابة. في حين ذكرت مصادر طبية في صنعاء أن مركز الأورام التابع للمستشفى الجمهوري يستقبل يومياً نحو 40 حالة إصابة جديدة من مختلف المحافظات منذ عام 2023، وأعادت أسباب ذلك إلى انتشار المبيدات التي يستوردها تجار يعملون لصالح جماعة الحوثي، وقادة فيها، ونبهت إلى أن هذه المبيدات تستخدم في رش المحصولات الزراعية، والخضار، والفواكه، وهي مسببة للسرطان.

وأكد الناشط الحقوقي، وهاج المقطري، أن حملة "المبيدات القاتلة" ليست قضية فرد بعينه أو شخصية وإنما قضية شعب بأكمله، فكل من يتناول الخضروات والفواكه المسمومة بالمبيدات المسطرنة معني بعدم السكوت عن هذه الجريمة. وقال المقطري: إن "القضية قضيتنا كلنا والسموم جميعنا نتعاطاها نحن وأطفالنا عبر طعامنا، لذلك ادعو الجميع لرفع الصوت عاليا إلى أن تتحرك الجهات الرسمية لأداء واجبها ومسؤوليتها على أكمل وجه".

وطالب بإعادة فتح ملف المبيدات المسرطنة سواء المهربة أو تلك التي دخلت بشكل رسمي مستندة إلى سلطة متنفذين، كما طالب بسحب كل الكميات المهربة ومحاسبة من قام بإدخالها وبيعها ومن سمح لهم بذلك. وأضاف "القضية ليست واجبا دينيا ووطنيا وانسانيا فقط، إنما هي كارثة تطالنا جميعا ولا أحد مستثنى، وسموم المبيدات المسرطنة تتسرب إلى أجسادنا عبر طعامنا وحالات السرطان والفشل الكلوي تتزايد بشكل مرعب، وأطفالنا معرضون لتلك السموم منذ نعومة أظافرهم".

 سخرية حوثية

وسارع الكثير من الناشطين الحوثيين إلى محاولة الدفاع عن قياداتهم المتورطة وفقاً للوثائق الرسمية بتسهيل دخول المبيدات السامة والسماح باستخدامها في الزراعة. وتناقل الكثير منهم  مقاطع من خطابات زعيمهم عبد الملك الحوثي وهو يوجّه فيها بمنع دخول المبيدات الحشرية المحرمة دولياً لما لها من أضرار خطيرة. موجهين في ذات الوقت اتهامات لمسؤولين صغار عملوا على تسهيل دخول المبيدات ومخالفة توجيهات زعيمهم.

الغريب أن القيادات الحوثية البارزة تجاهلت هذه القضية أو قامت بالسخرية منها كما فعل عضو ما يسمى بالمجلس السياسي الأعلى، محمد علي الحوثي، الذي علق على الحملة بتغريدة أثارت الكثير من السخط الشعبي. وأصدر الحوثي عبر حسابه على منصة "إكس" توجيهاً لمصلحة الجمارك بمنع دخول السيارات المستوردة من الإمارات بسبب تعرضها للغرق حسب قوله. داعيا إلى إصدار قرار بذلك، وهو الأمر الذي اعتبره عدد من المعلقين سخرية واضحة من الحملة الشعبية المناهضة للمبيدات السامة التي تستوردها القيادات الحوثية وتسوقها لقتل المواطنين.

وفي الوقت الذي ينتظر فيه الشارع اليمني إجراء تحقيق عاجل في قضية المبيدات والأسمدة السامة المستوردة، دعا القيادي محمد علي الحوثي في تغريدة له أرفقها بصورة للمسيرات التضامنية مع فلسطين وذيلها بالدعوة إلى عقد اجتماع لمصلحة الجمارك مع وزارة الزراعة والجهات المختصة بخصوص ما سماه الاتفاق على نوعية المبيدات المسموح بها والضارة. 

وعلق النائب في برلمان صنعاء عبده بشر على تغريدة الحوثي المرفقة بصور المسيرات قائلا: ‏"يا خبير ما دخل صور المسيرات بسيارات الإمارات والمبيدات والجمارك؟!".

وأضاف بشر: "المواطنون واعون للجرائم ومخاطر المبيدات، ووزارة الزراعة رفضت دخول المبيدات ومكتب رئاسة الجمهورية ورئيس المجلس السياسي هم من أطلقوها رغم أن إطلاقها ليس من اختصاصهم، فهل سيتم محاسبة من أطلقوها أو على الأقل سحبها وإتلافها؟".

من جانبه طالب الأكاديمي الموالي للحوثيين ورئيس جامعة إقرأ التابعة للميليشيات، أشرف الكبسي، القيادات الحوثية عقد مؤتمر صحافي رسمي حول ملابسات قضية شحنة المبيدات الإسرائيلية وتقديم الإيضاحات لشعب يستحق أن يعرف أولا ليعيش ثانية، حسب تعبيره.

وقال الكبسي في تغريدة على منصة إكس عنونها بـ"‏المبيدات المسرطنة!": "اعقدوا مؤتمرا صحافيا رسميا يا جهات العلاقة، يتم فيه بالصوت والصورة والدليل والوثيقة تقديم الإيضاحات المسؤولة لشعب يستحق أن يعرف أولا ليعيش ثانيا!". وأضاف ساخرا: "قولوا: أنتم بخير وكل الذي يقال هراء! أو: هذا ما حدث، والتحقيق جار!" واختتم الدكتور الكبسي تغريدته بالقول: "قولوا شيئا، كي لا تتسرب السموم إلى بقايا الثقة!".

لا يعرفون الإنسانية

وعلق الناشط عبدالله الرويشان ضمن الحملة الشعبية للمطالبة بإيقاف استيراد المبيدات الخطيرة: "بصراحة الموضوع خطير جداً فيما يتعلق بالسموم القاتلة التي يتم إدخالها إلى اليمن عبر تجار لا يعرفون معنى الإنسانية ولا عندهم ضمير ولايخافون من الله ولا من القانون ولا من العواقب المخيفة".

وأضاف: "الحقيقة كنت غير مهتم بموضوع تهريب مبيدات السموم ولكن حين ذهبت بنفسي الى مركز أورام السرطان واطلعت على عدد الحالات، تأكدت من حقيقة المعلومات التي أدلى بها الأطباء في ظل الأعداد الكبيرة من المرضى". مضيفا: "حدثني أحد الأطباء بأن ما يقارب نسبة 97% من الإصابات جاءت نتيجة استخدام المبيدات والسموم المحرمة دولياً في زراعة نبتة القات، بل قال بأن الكثير من المناطق الزراعية في اليمن أصبحوا يستخدمونها في زراعة الفواكه والخضروات والكثير من المنتجات الزراعية".

وأشار الرويشان: نحن لن نحارب الزراعة المحلية وسنشجعها ولكن بشرط أن تفرض الدولة وجودها وهيبتها ورقابتها وقوتها وقانونها وضميرها وتنقذ الشعب اليمني عاجلاً غير آجل من السموم والمبيدات المحرمة دولياً وإنسانياً. مؤكداً أن الوضع ما يطمن والعواقب مخيفة والإصابات كل يوم ترتفع أعدادها بشكل مهول جداً.

ودعا الناشط كل العاملين في التوعية المجتمعية وفي القطاع الإعلامي والمشاهير والناشطين والمحامين والصحافيين والحقوقيين إلى "التحرك نحو حملة واسعة ومستمرة، يتم فيها الضغط على كل الجهات المختصة وقيادة الدولة لتحرك أجندتها وأجهزتها وقوتها وتصادر تجارة السموم القاتلة وتحرقها وتعاقب المستوردين والبائعين والمستخدمين لها، بل وإغلاق كل المنافذ البحرية والبرية ومنعها نهائياً من الدخول إلى بلادنا".