معهد واشنطن: فحوى ومشاكل خطة إعادة الانتشار في الحديدة

السياسية - Wednesday 27 February 2019 الساعة 08:56 pm
الحديدة، نيوزيمن:

تذكر، بداية، إلينا ديلوجر من معهد واشنطن، أنه بعد مرور قرابة الشهرين على اتفاقية ستوكهولم، اتفقت الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا وجماعة الحوثيين (المتمردين الموالين لإيران) على شروط تطبيق جزء صغير إنما مهم منها، وهو "إعادة انتشار" القوات التابعة لهما في أجزاء محددة من محافظة الحديدة.

ويشار إلى أن الاتفاق على هذه الشروط تم بعد محادثات ترأسها الرئيس الجديد لبعثة الأمم المتحدة لدعم تطبيق اتفاقية الحديدة ورئيس لجنة تنسيق إعادة الانتشار الجنرال مايكل لوليسغارد في 16 و17 شباط/فبراير.

ومع أن هذه الخطوة ما هي إلا جزء بسيط من اتفاق يتسم أصلاً بنطاقه الضيق، تعلّق الأمم المتحدة آمالاً حذرة عليها، علّها تكون الخطوة الأولى في سلسلة تدابير آيلة إلى بناء الثقة، وفي النهاية إلى إجراء محادثات سلام كاملة وشاملة.

انطلاقة بطيئة

وكما تلاحظ إلينا ديلوجر، ركّزت اتفاقية ستوكهولم المبرمة في 13 ديسمبر/ كانون الأول على ثلاث نقاط هي: أولاً إعادة انتشار القوات في الحديدة، وثانيًا وضع آلية لتبادل الأسرى، وثالثًا بدء المناقشات حول تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار وفتح ممرات إنسانية في محافظة تعز.

وبالرغم من ضيق نطاق تركيزها، لا تخلو هذه الوثيقة من الأهمية كونها الاتفاق الأول الذي يبرم بين الطرفين منذ عامين ونصف العام، مع أن اللغة المبهمة المقصودة المعتمدة فيها لم تطمئن إلى حدوث توافق فعلي بين الطرفين على شيء ذي مغزى. مع ذلك، وصفتها الأمم المتحدة بالإعلان الإيجابي عن النوايا وأشارت إلى أن الطرفين سيواصلان التشاور في هذه النقاط الثلاث من خلال اللجان المختصة.

ومع مرور الأسابيع وتوالي اللقاءات بين الطرفين، دأبت الأمم المتحدة على تكرار تفاؤلها بثبات وقف إطلاق النار في الحديدة وتقدّم المحادثات. ولكن الصورة التي رسمتها وسائل إعلام الأطراف كافة جاءت مختلفة. فالناطق الرسمي باسم الحوثيين المدعو محمد عبد السلام اتّهم الحكومة بالتملص من واجباتها، فيما قام التحالف الذي تقوده السعودية في القتال إلى جانب الحكومة بالكشف عن بيانات تفيد بانتهاك الحوثيين لاتفاق وقف إطلاق النار –وقد بلغ عدد الانتهاكات 1400 انتهاك بحلول 14 شباط/فبراير– ملمحًا إلى أن التمردين "يعرقلون عمدًا عملية التطبيق لكسب الوقت اللازم لتعزيز إمكانياتهم العسكرية".

وبالنتيجة ساد التوتر أجواء المحادثات وانقضت المهل النهائية المرة تلو الأخرى بدون التوصل إلى اتفاق، حتى إنه كان من الصعب إيجاد أماكن آمنة يوافق الطرفان على الاجتماع فيها. وفي إحدى المرات، بعد أن رفض الحوثيون الانتقال إلى منطقة خاضعة لسيطرة الحكومة لعقد اجتماعهم فيها، ابتكرت الأمم المتحدة حلاً حياديًا واقترحت الاجتماع على متن قارب.

وهذه الأمثلة تؤكد على عمق الارتياب وقلة الثقة بين الطرفين، مع أن المبعوث الأممي الخاص مارتن غريفيث يصر على وجود "إرادة سياسية" بالاتفاق لدى الطرفين اليمنيين.

فحوى الاتفاق

بالرغم من التأجيلات، نجح الطرفان في التوصل إلى اتفاق ضيق حول ما تسمّيه الأمم المتحدة "المرحلة الأولى" من الانسحاب من الحديدة، مع الإشارة إلى أن هذا الاتفاق الأخير لا يغطي المرحلة الثانية من عملية الانسحاب أو آليات تبادل الأسرى أو محافظة تعز.

وقد فسّر غريفيث الخطوتين اللتين تكوّنان المرحلة الأولى في مقابلة أجرتها معه مؤخرًا قناة "العربية"، فقال إن الخطوة الأولى تنصّ على إعادة انتشار الحوثيين من ميناء الصليف وميناء راس عيسى الواقعين شمالي ميناء الحديدة وإزالة عدد كبير من الألغام التي زرعوها هناك. أما الخطوة الثانية فتتمثل في إعادة انتشار الحوثيين من ميناء الحديدة نفسه وانتقال الطرفين إلى مواقع متّفق عليها شمالاً وجنوبًا لتسهيل الوصول إلى مطاحن البحر الأحمر وغيرها من المواقع الهامة.

ويُذكر أن مطاحن البحر الأحمر هي المنشأة الرئيسية لتوزيع القمح والطحين ضمن برنامج الأغذية العالمي، ويقول غريفيث إن سعتها تكفي لتخزين مؤن تُعيل 3,7 مليون يمني في الشهر. وبموجب الاتفاقية الأخيرة، تمكّن طاقم الأمم المتحدة هذا الشهر من الوصول إلى الموقع للمرة الأولى منذ أيلول/سبتمبر وسط تخوفات من فساد مخزونه من القمح.

ومن المرتقب في المرحلة الثانية، التي لم يُتّفق على شروطها بعد، أن تنفَّذ مجموعة أخرى من عمليات إعادة الانتشار، وقد ذكر غريفيث في هذا الإطار أن الأمم المتحدة ستقود عملية "نزع السلاح" من مدينة الحديدة وتتيح فتح ممر إنساني في المنطقة.

مشاكل عالقة

بيد أن الكثير من المشاكل لا تزال عالقةً بلا حل. أولها أن أحدًا لم يحدد هوية "القوات المحلية" التي يفترض أن تتولى مهمة حفظ الأمن في ميناء ومدينة الحديدة مع انحساب قوات الطرفين منها. وهنا تخشى الحكومة أن يترك الحوثيون وراءهم عناصر "محليين" موالين لهم في السر، كما سبقوا أن فعلوا في الماضي.

والمشكلة الثانية هي أن الوقت المحدد لعمليات إعادة الانتشار لا يزال مجهولاً. فالتقارير الأولية تفترض بدء هذه العمليات في مطلع هذا الأسبوع. وإن كان فتح الطريق إلى مطاحن البحر الأحمر يعتبر بدايةً حسنة، يبدو أن عمليات الانسحاب من الميناء تأجّلت، وبالطبع كل طرف يلقي اللوم على الآخر كما هو متوقع.

ومن الممكن أن جزءًا من التأجيل يعود إلى مسائل لوجستية، إذ ليس معروفًا مثلاً بأي سرعة يستطيع الحوثيون إزالة الألغام الكثيرة من شبه جزيرة الصليف حتى إذا بذلوا أقصى جهدهم. ولكن التأجيل قد يكون سياسيًا من نواحٍ أخرى.

حين يبدأ التنفيذ أخيرًا، ستعمل الأمم المتحدة على التحقق من التزام الطرفين به. وإذا لم يمتثل الحوثيون خلال فترة زمنية معقولة، سينفد صبر الحكومة اليمنية والجهات الداعمة لها في التحالف وربما أيضًا الأطراف الدولية الأخرى.

وكما تقول إلينا ديلوجر، فإنه وعند ذلك ستحتاج العملية الهشة التي تتبناها الأمم المتحدة إلى تدخل أمريكي لضمان استمرارها.