الصليف.. قصة ميناء منذ الاحتلال العثماني حتى الاحتلال البريطاني (5)

المخا تهامة - Sunday 09 June 2019 الساعة 10:56 pm
المخا، نيوزيمن، كتب/ أ.د عبدالودود مقشر

- تدمير الصليف بالبوارج الإيطالية 1912م

لمتابعة الحلقات السابقة:

الصليف.. قصة ميناء منذ الاحتلال العثماني حتى الاحتلال البريطاني (1)

الصليف.. قصة ميناء منذ الاحتلال العثماني حتى الاحتلال البريطاني (2)

الصليف.. قصة ميناء منذ الاحتلال العثماني حتى الاحتلال البريطاني (3)

 

لكن هذا التقدم والتطور الذي شهدته الصليف ومناجمها وميناؤها في الجانب الاقتصادي لم يمنع من تجرعها ويلات الصراع بين الدولة العثمانية وإيطاليا وحرب إيطاليا ضد سواحل ولاية اليمن العثمانية، فقد ضرب الأسطول السواحل اليمنية وفرض عليها حصاراً بحرياً ما بين عامي 1911 – 1912م، فقد كانت إيطاليا في تلك المرحلة قد دخلت في حرب مع الدولة العثمانية باحتلالها طرابلس الغرب (ليبيا)، وقصفت العديد من الموانئ التابعة لتركيا، كما أرسلت أسطولها إلى البحر الأحمر الذي خرب الموانئ اليمنية وأهمها المخا والحديدة كما خرب ميناء الصليف الذي كانت شركة السكك الفرنسية قد أنشأته وباشرت بتمديد الخطوط الحديدة وهو الذي كان من المتفق عليه مع الدولة العثمانية، و"كان الطراد فولتيورنو يجول الساحل على نحو نشط من الحد الواقع أقصى الجنوب لمنطقة الإدريسي حتى جزيرة كمران بحثاً عن أسطول تركي من زوارق المدفعية اعتقدوا أنه مختبئ في واحد من المراسي المحمية بالصخور في النطاق المجاور" كما ذكر ذلك المؤرخ البريطاني جون بولدري في كتابه (حرب الساحل التهامي 1911 - 1912م).

وبرزت موجة عداء للأجانب الأوروبيين في الصليف الذين يعملون في مناجم الملح ويتبعون الإدارة العامة للدين العام العثماني وشعروا بالخطر رغم أن بريطانيا أعلنت الحياد، وقال المؤرخ المحلي إسماعيل بن محمد الوشلي في (نشر الثناء الحسن) وهو معاصر لتلك الأحداث: "وفي هذا العام – 1329هـ[1911م]- انقطع الحاج البحري من جهة اليمن إلا من سلك طريق البر وهم قليل وذلك بسبب ما وقع من القتال بين الدولة والطليان، فكانت مراكب الطليان الحربية البحرية تدور في البحر لأخذ من وجدوه من المسلمين، وانقطعت أيضاً الجلاب التي تسافر للتجارة والغياصة في البحر لاستخراج الدر".

ومع إطلالة العام 1330هـ / 1912م زاد الحصار فقد ذكرت الوثائق البريطانية أنه قد "رسا طرادان ومدمرتان على ساحل الحديدة في الخامس والعشرين [من يناير 1912 م / 6 صفر 1330هـ] حين أبلغوا السلطات التركية بأن الساحل بين رأس عيسى -إحدى بلدات الصليف- وخور غليفقة صار محاصراً".

وهو ما يؤكده المؤرخ المحلي الوشلي راصداً أبعاد هذا الحصار اقتصادياً على الناس فقال: "وفيه – 1330هـ [1912م] - ضربت الطليان الحصار على بندر اللحية وكمران والصليف من جهة البحر وأرست البوابير (أي سفن حربية) حولها، وانقطع النازل البحري منها، ومن الحديدة بسبب ذلك وقع غلاء عظيم وارتفعت الأسعار بأضعاف ما كانت عليه قبل، فلا حول ولا قوة إلا بالله"، وذكر الوشلي أحداثاً لم تذكر في الوثائق البريطانية ضمن حوليات 1330هـ / 1912م، وصوّر فيها حالة الناس المزرية في تهامة وتأثيرات الحصار البحري والاقتصادي الحياتية على كافة فئات المجتمع اليمني في الصليف وما أحدثته البوارج الحربية الإيطالية من تدمير في الصليف ومينائها، فقال:
"وفيه – 1330هـ / 1912م - كسرت الطليان خمس سفن لضعفاء [أي فقراء باللهجة التهامية] أهل الصليف وكمران."
وفي يوم الجمعه منه -شهر رجب 1330هـ / يونيو 1912م- استولت الطليان على خمسة سنابيق لأهل قرية ابن عباس، شاحنة بضائع فنهبوا ما فيها وكسروا واحداً منها، وأطلقوا سائرها واشترطوا على أربابها عدم الوصول إلى قرية الصليف وكمران بشيء من البضائع ومنعوهم من السفر في البحر رأساً لتجارة وغياصة واصطياد سمك وغيرها، فضعفت بذلك أحوال الناس الدنيوية وكادت الفقراء الذين يتعيشون من اصطياد السمّك أن يهلكوا جوعاً"، السنبوق والصنبوق وسنبك وسنبوك ترد هذه الكلمة بأشكال كثيرة وتعدد الروايات في أصلها اللفظي لكن بشكل السنبوق هو نوع من سفن البحر مشهور في البحر الأحمر ويطلق أيضاً على القارب أو الزورق الصغير قوي المرافق.

انتهت هذه الأحداث والحصار الإيطالي على الصليف والموانئ اليمنية الأخرى بعد "توقيع الطرفين العثماني والإيطالي اتفاقية سلام في لوزان في 17 أكتوبر 1912م [7 ذو القعدة 1330هـ]"، وهو نفس التاريخ الذي أورده المؤرخ الوشلي في فك الحصار البحري على سواحل اليمن فقال: "وفي شهر ذي القعدة – 1330هـ [أكتوبر 1912م] - انفكّ الحصار المضروب على مراسي اليمن من طرف الطليان، وذلك بعد تسعة أشهر من يوم ضربوه، بعد أن ضعفت أحوال أهل اليمن وبلغت نهاية الضعف، ففرج الله عنهم".