لتصرُّفات الحوثيين ورفضهم شروط برنامج الغذاء العالمي.. المجاعة تهدِّد ملايين اليمنيين

السياسية - Sunday 23 June 2019 الساعة 11:04 am
صنعاء، نيوزيمنن فارس جميل:

"الحقيقة الثابتة هي أن الطعام ظل يؤخذ من أفواه الجياع، من الصغار والصغيرات الذين يحتاجون الطعام للبقاء على قيد الحياة"، من إفادة ديفيد بيزلي مدير برنامج الغذاء العالمي أمام مجلس الأمن في جلسته الأخيرة حول اليمن، عن نهب الحوثيين للمساعدات الأممية للفقراء من اليمنيين.

في الجلسة الأخيرة لمجلس الأمن حول اليمن، وعلى عكس إفادة المبعوث الأممي مارتن جريفيث المنحازة للحوثيين، وقف مدير برنامج الغذاء العالمي ديفيد بيزلي أمام مجلس الأمن متهماً الحوثيين بالفساد والابتزاز وعرقلة توزيع المعونات الإنسانية لمستحقيها في مناطق سيطرتهم وتحويلها عن المحتاجين على حساب الأطفال والنساء، وتحول تلويح البرنامج باحتمال إيقاف توزيع هذه المساعدات في مناطق الجماعة، إلى واقع على الأرض بعد إعلانه الخميس 20 يونيو الجاري عن تعليق توزيع مساعداته بصنعاء كخطوة أولى، ما يهدد بتكريس الأزمة الإنسانية وتوسيع دائرة المجاعة في البلد.

> يعزف للحوثيين فترقص الشرعية.. برنامج (الاستغباء) العالمي!

استمر التواطؤ الواسع بين برنامج الغذاء العالمي وجماعة الحوثيين خلال السنوات الماضية، بصمت كامل، باستثناءات بسيطة وجهود فردية، حتى نشرت وكالة أسوشيتد برس في ديسمبر الماضي تحقيقاً موسعاً عن فساد برنامج الغذاء والحوثيين، وقيام الأخيرين بإعادة توجيه المساعدات الدولية لليمنيين إلى قنوات تخدم الحوثيين وحدهم، وبالتزامن مع نشر التحقيق الصحفي يومها، قام مدير البرنامج بنشر رسالة إلى الحوثيين تتهمهم بسوء استغلال المساعدات وممارسات الفساد في توزيع المساعدات التي يقدمها البرنامج، ويطالبهم بالتحقيق في الأمر، وهو رد استباقي على تداعيات تحقيق الاسوشيتد برس وليس نزاهة مفاجئة، فقد تغاضى البرنامج حتى على عمليات اعتداء وحرق لمخازنه في الحديدة قام بها الحوثيون، لأن ذلك لم يحصل على التغطية الإعلامية الكافية.

منذ ديسمبر الماضي وخلال النصف الأول من العام الجاري تبادل الحوثيون وبرنامج الغذاء الاتهامات بشأن ممارسات الفساد، حيث نشر الحوثيون أخباراً متوالية عن اكتشافهم كميات مختلفة من الأغذية الفاسدة ومنتهية الصلاحية في مخازن البرنامج، وقابلها البرنامج بتوجيه الاتهام للجماعة بعرقلة توزيع المساعدات، والتدخل في كشوف المستحقين بشكل مباشر، في ظل خلافات واسعة تخللت اجتماعاتهم بصنعاء، لدرجة قال فيها أحد الحوثيين لمسؤولي البرنامج، إن توقيف توزيع المساعدات سيخدم الحوثيين، لأنه سيعزز انتشار المجاعة ويجعل الأمم لمتحدة في وضع محرج أمام الرأي العام العالمي.

خلال يونيو الجاري قبل وبعد إفادة مدير برنامج الغذاء العالمي أمام مجلس الأمن التي أعاد فيها الخلاف مع الحوثيين لعامين كاملين من إعاقتهم توزيع المساعدات، ومنع التسجيل الالكتروني للمستفيدين، وقيامهم بتحويل المساعدات للأشخاص الخطأ، ضخ الحوثيون أخباراً مكثفة عن الأغذية الفاسدة والمنتهية الصلاحية للبرنامج، ووصل الأمر ذروته بتصريحات الناطق باسم الجماعة محمد عبدالسلام التي اتهم فيها المنظمات الدولية وبرنامج الغذاء كان المستهدف تحديداً بالعمل لصالح التحالف العربي، وتقديم معلومات استخباراتية للتحالف حول الوضع في اليمن، ومن ضمنها إحداثيات جغرافية لاستخدامها لأغراض عسكرية.

بالمقابل رفض برنامج الغذاء تلك الاتهامات، وقال إن القمح الذي قال الحوثيون إنه منتهي الصلاحية ورفضوا تفريغ الشحنة في ميناء الحديدة، قد تمت إعادة فحصه في سلطنة عمان من قبل جهات محايدة أكدت صلاحيته للاستخدام وعدم انتهاء فترة صلاحية استهلاكه.

قام البرنامج ضمن سلسلة إجراءات تعزيز الشفافية والحد من الفساد في توزيع المساعدات بطلب تطبيق نظام البصمة للمستفيدين وهو طلب تم تقديمه للحوثيين قبل عامين، لكن الحوثيين رفضوا بشدة وقال الناطق باسمهم إن تلك إجراءات تعرض الأمن القومي للخطر وتنتهك خصوصية اليمنيين، بينما الحقيقة أن ذلك الإجراء سيمنع جماعته من استغلال المساعدات ونهبها لا أكثر، فقد وعدوا بتطبيقه سابقاً ثم تراجعوا عن وعدهم، حسب مدير البرنامج، الذي قال إن وسائل تحقق البرنامج أكدت عدم تلقي 66% من المسجلين في كشوف المستحقين بصنعاء للمساعدات، رغم وجود بصمات وتوقيعات على أنها لهم في كشوف صرف المساعدات.

تداعيات النزاع بين الطرفين قد تؤدي، كما لوح برنامج الغذاء العالمي أكثر من مرة، إلى وقف توزيع المعونات الغذائية الدولية على المستحقين في مناطق سيطرة الحوثيين، وبدأ الأمر فعلياً بالتطبيق كخطوة أولى بصنعاء، حسب بيان للبرنامج، وهذا سيكرس الأزمة الإنسانية في اليمن، ويدفع بالبلد نحو مجاعة محققة، فرغم كل ممارسات البرنامج والحوثيين الفاسدة، وحرمان الملايين من المستحقين لتلك المساعدات، إلا أن هناك عملياً بضعة ملايين من المستفيدين يتلقون فعلاً مساعدات شهرية تبقيهم على قيد الحياة.

لا يعبأ الحوثيون لموت اليمنيين جوعاً، ولم يخجل مسؤول في هيئة تنسيق المساعدات التابعة للحوثيين من تأكيده لمسؤولي برنامج الغذاء العالمي أن وقف توزيع المساعدات يخدم الجماعة، فقد دفعت ممارسات الجماعة اليمنيين عملياً ليكونوا مجرد متلقين لمساعدات دولية للبقاء على قيد الحياة، رغم أنهم قادرون على العمل ولديهم مرتبات تم توقيف صرفها لتوجيه الأموال نحو جبهات القتال، وبالنسبة للجماعة فإن صناعة الجوع مهمة أساسية لدفع المواطنين نحو جبهات القتال في صفوفهم كعمل اضطراري لكسب قوت أطفالهم.

ليس واضحاً حتى الآن إن كان برنامج الغذاء والأمم المتحدة يخدمان الحوثيين بالبدء بوقف توزيع المساعدات الإنسانية، أم أن العلاقة بينهما قد وصلت فعلاً إلى طريق مسدود، وأن فساد وضغوط الحوثيين تجاوزا قدرة الأمم المتحدة ومكاتبها في اليمن على امتصاصها والتعامل معها، لكن الأمر إن استمر وتوسعت دائرة تطبيقه سيمثل كارثة حقيقية وغير مسبوقة على ملايين الفقراء في البلد.