أخونة تعز مهمة قديمة في إطار أخونة الدولة

السياسية - Monday 26 August 2019 الساعة 11:00 pm
القاهرة، نيوزيمن، محمد عبده الشجاع:

الثورة واندحار الإمامة

لقراءة الحلقة الاولى

> >  قراءة في مسار الأدوات والبؤر الحاضنة للإخوان

أفرزت ثورة سبتمبر تباينات عدة مناطقية ومذهبية وفكرية، كانت تلك الحساسية تلقي بظلالها على القيادات وأصحاب الفكر، ولعل تسميات بعض الصحف والأحزاب، والخلفية الفكرية للكثير ممن درس خارج الوطن قد أثرت تأثيراً كبيراً في مسيرة التحول؛ التي كان من المفترض أن تنجو من الأفكار الأيديولوجية المتطرفة، على سبيل المثال هناك من عاد من مصر وباكستان والسعودية وهو يحمل لواء الفتوحات الإسلامية والخلافة، وبرغم تواجد اليسار في مرحلة ما بعد الثورة كرديف لهذه القوى إلا أن صوت الدين وكلمة الجهاد كانت هي الأعلى.

كما كان للشيخ الزنداني صولات وجولات في هذه المحافظة (تعز)؛ كان الغرض من التواجد ترسيخ المفاهيم الإخوانية، ومنها تلميع هذا الرجل العنكبوت الذي كشفت الأيام أنه يعيش فراغاً في كل شيء.

وتعتبر قصة مقتل لينا 1973 - 1992م ابنة مصطفى عبد الخالق، رئيس المحكمة العليا، التي ألقت بظلالها على حياة وشخصية الزنداني المضطربة، بعد أن تم استدراجها لمنزله، مطلع العام1991م قادمة من عدن.

في العام 1992م تلقى والدها اتصالاً من شخص مجهول، أخبره بأن ابنته ما تزال على قيد الحياة، توتر الأمر ويبدو أن الفتاة استيقظت على وهم في منزل الشيخ الديني، بعدها بأيام وتحديداً في 29 يناير 1992م عثر على لينا جثة هامدة في صنعاء، داخل حوش منزل الزنداني، مدعين أنها انتحرت بمسدس.

وقد أثار الصحفي عبد الله سعد، حينها، القضية وتعرض للملاحقة والاتهام، وطالب أنصار الزنداني يومها بعقوبة الرجم والتعزير ضد الرجل وفي ميدان عام وهو ميدان (التحرير).

وهو نفس الرجل المتهم هو وجماعته بالوقوف وراء مقتل الثائر الكبير محمد محمود الزبيري في 1 أبريل 1965م.

ليفتعل نفس الشيخ أحداث صحيفة الجمهورية مطلع الألفية، ويقوم بتكفير رئيس تحريرها الأستاذ سمير رشاد اليوسفي، والتحريض عليه وصل حد السجن، وكاد أن يكون ضحية أخرى لنزوات عبد المجيد الزنداني وجماعته.

الفترة الذهبية الأولى

جاء بناء المعاهد العلمية استجابة ملحة لمرحلة عصيبة، لها مساران لا ثالث لهما: أولاً، مواجهة المد الشيوعي القادم من الجنوب. ثانياً، تماشياً مع نهضة تعليمية عمت الشمال بعد استقرار نسبي عقب صعود الرئيس الراحل إبراهيم الحمدي 1974م وما بعد صعود الرئيس السابق علي عبدالله صالح 1978م، لكن سرعان ما ظهر الهدف الرئيسي الذي أفرز جيلاً يحمل أيديولوجيا فكرية معينة.

جاء ذلك امتداداً لحركة الإخوان المسلمين في مصر، مثله مثل المنهج الدراسي وأهداف الثورة اليمنية التي تأثرت بالثورة المصرية، وتم صياغتها كتقليد لمسار مصري.

مناطق التماس

تعتبر مناطق المخلاف وشرعب السلام والرونة، وجزء كبير من مديريات العدين، بحسب التقسيم الإداري والجغرافي الجديد، هي الحاضنة أو الفقاسة الأهم لتغلغل هذه الجماعة في مفاصل المجتمع والدولة، فبعد توقف حرب المناطق الوسطى التي تصدت لها الدولة بالتعاون مع قيادات الإخوان أنفسهم، والتي خلفت مآسي كثيرة من الجانبين لو لا اتخاذ قرار حازم بتجاوز المرحلة نهائياً، بعد انتهاكات حدثت كردود فعل لأخطاء فادحة ارتكبها رجال الجبهة الوطنية، والذي أظهر الجبهة جماعة دموية خرجت عن مسارها التحرري والداعي للحرية الفردية والمجتمعية، والانعتاق من قيود المشايخ والمركز المتخلف في نظرهم، وذلك ما عجل بسقوطهم، وبنفس ردة الفعل كادت الأمور أن تؤول إلى ثأر طويل من طرفي الإخوان وعساكر الدولة.

نفس القرار تم اتخاذه عقب انتهاء حرب الانفصال 1994م لقطع الطريق أمام الإخوان والثارات التي كانت تعشعس في رؤوس الكثير منهم وهي من القرارات المصيرية والهامة المحسوبة للنظام السابق.

المرحلة الذهبية الثانية

مع بداية العام 1990م حيث شهد الحدث الأبرز وهو الوحدة بين الشطرين، والذي كان مرفوضاً من بعض القوى لأسباب دينية أيضاً أفرزتها نفس العقول، فكان أول شيء قامت به جماعة الإخوان المسلمين (الإصلاح) ابتكار جمعيات ربحية، والفكرة أيضاً تأتي امتداداً تقليدياً فعلته جماعة الإخوان في مصر قبل أن تطير إلى بلدان وعواصم عربية وأجنبية لتفتح استثمارات هناك، ليتضح بعد فترة وجيزة أنه كان فخاً وقع فيه العديد من الناس وتحديداً في الأرياف والقرى المباركة.

استطاع الحزب بقدراته الخارقة في غياب الرقيب والحسيب على طمس القضية وتسجيلها ضد مجهول، لأنه بحاجة لأرضية صلبة تقوده إلى الدوائر الحكومية والمؤسسات الهامة، كالمجالس المحلية والنواب والشورى والرئاسة، فما كان أمامه إلا إشغال الناس بقضايا جانبية اعتبرها الكثير بأنها من الثوابت، أهمها: الغلاء، ارتفاع أسعار البيض، وحجاب المرأة المتمثل "بالخمار"، وبعض نصوص الدستور، واعتقد الناس أن الإسلام بعث من جديد، وأن عصر النبوة عاد، وأن الخلافة قادمة لا محالة، دون أن يعوا الخديعة الكبرى التي تؤسس لانقسام ذهني ونفسي في المجتمع وداخل مؤسسة التربية والتعليم، وتعمل شرخاً في ثقافة المجتمع.

تم استغلال المناخ الديمقراطي أسوأ استغلال، حتى جاءت حرب صيف 94م التي فرضتها حسابات سياسية ضيقة، وتم اتخاذ قرار سياسي وعسكري بإنهائها، ليجد الإخوان فرصة جديدة للتمدد، هذه المرة اتسعت دائرة الأطماع، وتهدد مسار العملية الديمقراطية أكثر من مرة، لو لا أن الانتخابات كانت قد بدأت تهذب حزب الإصلاح الذي كان يرى بأن الاستيلاء على السلطة قد أوشك وأن المسألة مسألة وقت.

استغل الإصلاح بعض المناطق المغلقة لصالحه في الانتخابات، فارضاً نفسه بالقوة، من خلال الخلفية الأيديولوجية التي كان قد أوجدها سواءً في شمال الشمال حيث القبيلة أو الوسط، إلى جانب الاتكاء على أجندة دينية بحتة، أضف إلى ذلك غزوه لمناطق الجنوب بنفس الكيفية التي أوهم بها الناس في الشمال.

واتخاذ خطاب ديمقراطي عدائي للدولة والنظام القائم، ولعل ما أفصح عنه الشيخ عبد المجيد الزنداني في خطابه التحريضي والأهم في ساحة التغيير بصنعاء في أزمة 2011م عقب خروجه من اجتماع العلماء بالرئيس علي عبدالله صالح، يؤكد ما نذهب إليه من تربص هذه القوى بشكل الدولة القائم والذي كان يحفظ حقوق الناس حتى وإن كانت فيه بعض الهشاشة والقصور، حيث قال بالحرف وهو يشير هنا إلى إسقاط النظام، قالها منتشياً مبتسماً متفاخراً:

"جربنا إسقاط النظام عبر التربية والتعليم، عبر المناهج، عبر الجيش... الخ، مختتماً بأن الثوار قد فعلوا ما عجزت عنه تلك الأيديولوجيا المريضة، وختم خطابه بقوله "لقد احرجتمونا"، مؤكدا أنهم يستحقون براءة اختراع، وهو الأمر الذي زاوله طيلة سنوات من بوابة علاج الكبد الوبائي والسكري وختمه بكذبة علاج مرض فقدان المناعة "الإيدز"، وظل يتوهم أن تلك الشعوذات ستقوده إلى العالمية، ولم يكن يدرك كثير من الناس أن الرجل فقط يراوغ قتلاه للهروب من العقوبات الدولية، ومن بصمة الإرهاب؛ "الاختراع" الوحيد الذي كان يستحق عليه البراءة والجائزة، والبوابة التي دفع من خلالها الشباب إلى معارك أفغانستان والشيشان.

ليتجه الشيخ مؤخراً نحو الشرق بعد أحداث الربيع العربي في علاقة وطيدة مع النظام القطري، الذي أثبت ضلوعه في تدمير سوريا وليبيا واليمن إلى جانب حلفائه من الإخوان المسلمين، مع ظهور جماعات النصرة وداعش، وهي جماعات بشعة ومتطرفة، أحدثت مجازر اجتماعية وضحايا في العراق والشام.