إبراهيم الأهدل

إبراهيم الأهدل

تابعنى على

المؤتمر الشعبي العام بين مقصلة الإقصاء ورافعة التَّصدر

منذ ساعتان و 42 دقيقة

في الذكرى الـ43 لتأسيسه، نتوجه بالتهنئة إلى جماهير المؤتمر الشعبي العام في الداخل والخارج، وإلى قياداته وكوادره الذين حافظوا على حضوره رغم العواصف والتحديات. فهذا الحزب، الذي وُلد في الـ24 من أغسطس 1982، لم يكن مجرد كيان سياسي عابر، بل مثّل منذ لحظته الأولى ركيزة أساسية في بنية النظام السياسي اليمني، ووعاءً جامعًا لمختلف التيارات، ومصدرًا للاستقرار في مسيرة وطنية متجددة رغم التحديات.

غير أن الحزب الذي شكّل العمود الفقري للدولة لعقود، وجد نفسه منذ 2011 أمام استهداف ممنهج، بدأ بسياسات الإقصاء، وبلغ ذروته في مأساة 2 ديسمبر 2017 عقب استشهاد مؤسسه وزعيمه الرئيس علي عبدالله صالح، رحمه الله. لم يكن رحيله فقدان قائد وحسب، بل انهيار الرمز الجامع الذي منح الحزب تماسكه. ومنذ ذلك اليوم، واجه المؤتمر فراغًا قياديًا عميقًا انعكس على مساره التنظيمي والسياسي، وسرعان ما قاد إلى انقسامات داخلية تمظهرت في ثلاثة أجنحة: أحدها يقع في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، وآخر ضمن إطار الشرعية، وثالث يسعى للحفاظ على استقلالية قراره. هذا التشظي يؤثر على مسار الحزب رغم تماسك قواعده. 

في خضم ذلك، برز العميد طارق صالح عبر تأسيس المكتب السياسي للمقاومة الوطنية ككيان سياسي وعسكري، وهو الأمر الذي أثار الجدل: فبينما يراه البعض كيانًا مستقلًا نشأ في ظرف استثنائي، يعتبره آخرون امتدادًا طبيعيًا للمؤتمر. في الحقيقة لقد شكَّل ظهوره دليلًا على أن الحزب ما يزال حيًا ومتجددًا، لكنه في المقابل ضاعف التحدي أمام وحدة المؤتمر ولمِّ شمله.

لم تقف تحديات الحزب عند ذلك، بل وفدت إليه عدد من المخاطر والتهديدات من خارجه، وأخطرها تجلى في نوايا (أنصار الله) الحوثي بصنعاء نصب مقصلة الخلاص منه، فعزمهم حلَّ المؤتمر الشعبي العام ليس بخافٍ. إذ وضعوه تحت دائرة الاستهداف وبدت إرهاصات ذلك واضحة من خلال سلسلة إجراءات ممنهجة: مهاجمة مقراته وتجميد أمواله ومصادرتها، اعتقال بعض قياداته، ومحاصرة منازلهم، ومنع أي فعاليات بمناسبة ذكرى تأسيسه، وصولًا إلى صدور حكم غيابي بالإعدام بحق نائب رئيس الحزب، وتطويق مسكن رئيسه، وخطف أمينه العام. هذه السياسة الاستفزازية لم ولن تفلح في كسر إرادة قواعده، بل زادت من تمسك الجماهير به باعتباره آخر وعاء وطني جامع في مواجهة مشروع طائفي يسعى لتمزيق اليمن. ومن هنا تبرز ضرورة أن يبادر قادة الحزب في الخارج لاتخاذ خطوات استباقية تحمي وحدته وتحصّن بقاءَه. 

وفي الجنوب، يقف المؤتمر أمام امتحان صعب؛ فبينما يُنظر إليه في الشمال كحارس للوحدة الوطنية، يراه كثيرون في الجنوب جزءًا من المعضلة التي فاقمت التوترات. ولن يتجاوز الحزب هذا المأزق إلا بخطاب جديد يستوعب التحولات، ويوازن بين وحدة الجغرافيا الوطنية والاستجابة لمطالب العدالة والإنصاف، وفتح صفحة أكثر انفتاحًا مع الجنوب.

وعلى صعيد الشرعية والتحالف العربي، يتأرجح الموقف من المؤتمر بين إدراك أهميته كرافعة وطنية لا يمكن تجاوزها، وبين محاولات للحد من نفوذه خشية أن يعود متصدرًا للمشهد. غير أن كفة التعويل الشعبي ما تزال تميل نحوه، فاليمنيون الذين خذلتهم بقية الأحزاب يرونه الأقدر على صياغة مشروع جامع يعيد بناء الدولة ويوقف معاناتهم اللا متناهية، فما تشهده البلد من انهيار اقتصادي وتشظٍ سياسي لم يزد الناس إلا يقينًا بأن المؤتمر، إذا أعاد ترتيب صفوفه، يظل القوة الأجدر على الإمساك بزمام المبادرة لإنقاذ اليمن من حالة التيه.

إن المؤتمر الشعبي العام، وهو يطوي أربعة عقودٍ من عمره، مدعوّ اليوم إلى مراجعة صادقة، تفضي إلى تدوير قياداته، وضخ دماء شابة جديدة، والانفتاح على الطاقات الوطنية، وإطلاق حراك واسع يعيد له مكانته وريادته. فالتاريخ لا يرحم، واليمن يئن تحت وطأة المحنة، ولا بد من شخصية جامعة تنتشله من براثنها.

وفي هذا السياق، يبرز اسم السفير أحمد علي عبدالله صالح كخيار محتمل لتولي رئاسة الحزب، لما يملكه من رصيد سياسي وخبرة عسكرية وعلاقات دولية ومكانة جماهيرية تؤهله للعب دور محوري، ليس في إعادة لُحمة الحزب فحسب، بل في المساهمة ببناء الدولة اليمنية وإنهاء معاناة شعبها. فالمؤتمر الذي اجتاز مِحَنًا متتابعة ونجى من مقاصِلَ متتالية وخرج أصلب عودًا، قادر على استعادة ألَقِه وتَصدُّر المشهد مجددًا.

ختامًا، يقف الحزبُ اليومَ عند مفترق طرق: إما أن تبتلعه مشاريع الإقصاء والتفتيت، أو أن ينهض من جديد وبقوة، كرافعة وطنية قادرة على إنقاذ اليمن من محنته الراهنة. وبين هذين الخيارين، تتضاعف مسؤوليته التاريخية في لمّ شمل صفوفه وتجديد دمائه وإحياء رسالته الجامعة والعبور باليمنيين نحو الدولة، فهو أعظم من أن تضعه أدواتٌ عارضِةٌ على مقصلة الإقصاء.