عبدالستار سيف الشميري

عبدالستار سيف الشميري

تابعنى على

الخلاف السعودي الأميركي والتقارب الصيني.. تقدير موقف

Saturday 17 December 2022 الساعة 05:36 pm

المبتدأ:

من بارجتين أمريكيتين تأسست العلاقة السعودية الأمريكية في العام 1945م في لقاء الملك المؤسس عبدالعزيز بالرئيس الأمريكي روزفلت. 

غادر عبدالعزيز جدة على البارجة الأمريكية "مورفي" قاطعا ثلاثة أيام إلى مصر حيث البحيرات المرة بقناة السويس ليقابل الرئيس الأمريكي روزفلت على البارجة «يو إس إس كوينسي» التي عُقد على متنها اللقاء. 

 وبعد خمس ساعات كتب اتفاق يونسكي الشهير "الحماية مقابل النفط".

المجال الحيوي:

ذلك اللقاء التاريخي الذي عُرف بقمة أو لقاء "كوينسى" نسبةً إلى البارجة جعل المملكة ثم منطقة الخليج لاحقا مجالا حيويا أمريكيا وبعده بسنوات قال الرئيس كارتر في خطاب الاتحاد: إن أمريكا ستدافع عن أمن الخليج بكل الوسائل ومنها الخيار العسكري وعرف ذلك بمبدأ كارتر.

المد والجزر في العلاقة السعودية الأمريكية:

تاريخيا لم تكن العلاقة في خط ساكن دوما فقد شهدت مدا وجزرا ولعل أبرز تلك المحطات المتحركة كانت على النحو الآتي:-

أولا:

تعقدت العلاقة السعودية الأمريكية في عهد الملك سعود في العام 1955، إثر تصالحه مع عبدالناصر وطرح موضوع استبدال القوات الأمريكية بقوات مصرية لكن بعد عام واحد عادت العلاقات إلى مجراها في العام 1956م في أزمة "السويس" بعد موقف ايزنهاور ومعارضته لخطة إسرائيل وبريطانيا وفرنسا للاستيلاء على قناة السويس.

ثانيا:

توترت العلاقة في عهد الملك فيصل ودعمه لمصر في حرب 1973وتصريحه الشهير

"نفط العرب للعرب ودعم أمريكا لإسرائيل ضدالعرب يجعل من الصعب علينا أن نستمر في دعم أمريكا بالنفط".

 كانت تلك هي المحطة الثانية في التوتر.

حينها قرر الرئيس نيكسون "مراجعة" العلاقات مع الرياض بعدما قرر الملك فيصل وقف تصدير النفط إلى أميركا وأوروبا لكن سرعان ما تم تسوية الأمر وتم توقيع الصفقة العسكرية النوعية لعدد 60 طائرة حربية وتطوير الجيش السعودي بمعدات في العام 1975.

ثالثا:

استمرت العلاقة في شهور عسل متوالية لسنوات وخاصة عندما حشدت أمريكا نصف مليون جندي في السعودية في عملية درع وعاصفة الصحراء عند تحرير دولة الكويت  1990- 1991 وتمركزالقوات الأمريكية بقواعد عسكرية دائمة من أقصى شمال الخليج العربي الكويت إلى أقصى جنوبه وخليج عمان وبحر العرب..

رابعا:

في عهد أوباما شعرت السعودية بالخذلان بعد توقيع إدارة أوباما مفاوضات سرية، بخصوص الاتفاق النووي مع إيران عام 2015، دون الأخذ في الاعتبار اعتبارات أمن المنطقة والنشاط المعادي لإيران في اليمن ودول عربية أخرى.

خامسا:

بعد أوباما كانت زيارة الرئيس ترامب الخارجية الأولى للسعودية في مايو 2017، وهو ما لم يقم به أيّ من الرؤساء قبله، حيث لم تكن وجهتهم الأولى للسعودية وهو ما فسر عن صفحة جديدة من الشراكة وترميم عهد أوباما لكن سرعان ما أصيبت السعودية بخذلان جديد عندما تعرضت منشآت أرامكو في عهده لاعتداءات صاروخية وطائرات مسيرة إيرانية بأيدي حوثية، وتعطيل نصف الإنتاج النفطي السعودي، لكنه برر أن ذلك وقع في السعودية وليس في أمريكا! 

سادسا:

 قدمت السعودية إسنادا وشاركت في إقامة جسر نقل لحوالى 100 ألف أمريكي وأفغاني من كابول إلى العواصم الخليجية أثناء الانسحاب الأمريكي من أفغانستان وهذا مهد لترميم العلاقة والاتفاق على كبرى صفقات السلاح.

سابعا:

أحدث قرار أوبك بلس تخفيض تصديره مليوني برميل يوميا تصدعا جديدا في العلاقة بين البلدين وذهب بايدن إلى قرار "مراجعة" العلاقات مع السعودية بسبب قرار "أوبك بلس" الذي اعتبره انحيازا إلى روسيا بحجة أن القرار سياسي، وليس اقتصاديا وتشابه قرار بايدن تماما مع قرار نيكسون ولنفس السبب "النفط" وضرورة الحصول عليه بيسر دون أي اعتبارات للدول المصدرة والتزاماتها..

ثامنا:

اليمن حاضرة في خلافات البلدين، من خلال الحرب في اليمن وملاباستها زاد إدراك السعودية بعدم قيام الحليف الأمريكي بتعهداته التاريخية نحوها وأن الاتفاق التاريخي ولقاء البارجتين مورفي ويونسكي سقط بتقادم السنوات رغم تجديده وأن تلك البارجتين وغيرها من القوات الأمريكية لم تعد راغبة وربما لم تعد قادرة على الالتزام بتعهداتها التاريخية وعلى المملكة نسج تحالفات إقليمية وعربية لحماية نفسها وتحمل أعباء الملف اليمني.

ولعل المفاجأة الأكثر إرباكا للسعودية كانت مع وصول بايدن للرئاسة وقيامه بأول قرار برفع الحوثيين من قائمة المنظمات الإرهابية التي وضعها الرئيس ترامب في آخر أيامه بقائمة المنظمات الإرهابية، وسحب 8 بطاريات لصواريخ الباتريوت الدفاعية من السعودية والكويت والعراق والأردن. 

ووصل السجال في منسوبه الأعلى بعد قرار مجموعة أوبك بلس خفض إنتاج النفط وهو قرار تقني أملته الأوضاع الاقتصادية العالمية والخشية من الركود الاقتصادي رغم ذلك لوح بايدن وقيادات إدارته بالعمل على مراجعة العلاقة مع السعودية وشن حملة تهديد

أمريكي ضد السعودية والتلويح بتحريك مشروع قانون "نوبك".

كل ذلك يعمق الفجوة ويغيب الثقة ويزيد هامش التشكيك بين الدولتين، وينعكس بالضرورة على الملف اليمني الذي به من التعقيدات ما يكفيه ويدفع التحالف العربي لا سيما السعودية والإمارات ومصر  للبحث عن بدائل واجتراح تحالفات جديدة والصين هي الوجهه والخيار الأقوى عالميا..

استنتاجات:

أولا:

بات واضحا أن أمريكا تنظر إلى الخليج والمملكة في قلبه أنه لم يعد منطقة تحالف استراتيجي ومجال حيوي بل منطقة مصالح تقليدية متغيرة. 

وهذا سيدفع السعودية والخليج للبحث عن مظلة حماية أخرى، وربما الاتجاه شرقا، حيث روسيا والصين، بالإضافة إلى فتح الباب لمزيد من التطبيع مع إسرائيل أو التقارب على وجه أدق في الحالة السعودية بشكل تدريجي مع كل من روسيا والصين، لا سيما وحجم التبادل التجاري العربي الصيني يقارب خمسمائة مليار دولار سنويا ويفوق حجم التبادل مع أمريكا بخمسة أضعاف.

ثانيا:

أصبح واضحا أن خيارات الذات للعرب هي الممكن الوحيد للدول مع الذهاب لإنشاء وحدات جيش عربي لحماية الأمن وأن ذلك أصبح ضرورة في ظل الطموح الإيراني الجموح في التمدد في المنطقة بأشكال مختلفة.

 كما أن مد الجسور إلى الصين كقوة ماثلة ومرشحة للمركز الأول عالميا اقتصاديا أصبح ضرورة. 

 ومن هنا جاء الترتيب للمؤتمر الصيني في السعودية.

ثالثا:

بات مؤكدا أن علاقة السعودية بأمريكا تعيش فترة هبوط في منحناها السياسي والعسكري والاقتصادي مما سيدفع بالمملكة من تنويع مصادر حصولها على السلاح وإقامة علاقات متوازنة مع الصين وروسيا وتحسين العلاقة مع تركيا وهو ما ظهر في الأشهر الماضية رغم أن العلاقة كانت على حافة القطيعة إلا أن هذا الفتور في علاقة السعودية بأمريكا قد يتغير بوصول رئيس أمريكي جمهوري خلفا لبايدن وهو متوقع ويلقى دعما من اللوبي الإسرائيلي وجماعات ضغط مقربة من السعودية وغيرها وتحت وطأة الفشل الاقتصادي الداخلي لإدارة بايدن وارتفاع التضخم والمديونية الأمريكية التي تشهد رقما قياسيا لم يكن في الحسبان يعزز قفز الصين إلى المرتبة الأولى عالميا بعد سنوات إلا أن الرهان على هذا التغيير ليس مؤكدا.

على سبيل الختم:

العالم يتجه إلى نظام دولي متعدد الأقطاب وعلى الأرجح هناك أربعة أقطاب عالمية سوف تتحكم بالقرار العالمي بعد انفراد أمريكي لثلاثة عقود منذ سقوط الاتحاد السوفيتي، هذه الأربعة الأقطاب هي:

الصين، أمريكا، الاتحاد الأوربي وروسيا.

وهذا سيتيح لبعض الأقطاب الإقليمية أن تلعب دورا في محيطها الإقليمي وفي طليعة الأقطاب الإقليمية الهند وتركيا والمحور العربي وإسرائيل وإيران.

وهذا التغير الجوهري في النظام الدولي يستدعي البحث عن ممكنات وتحالفات جديدة وهو ما يشرع به صاحب القرار في السعودية ومصر والإمارات ومن خلفهم مجموعة من الدول العربية والمشرق عموما.