نبيل الصوفي
مصر.. مقتضيات الثورة وملامح الدولة العصرية
25 يناير، يوم قالت مصر لقيادتها السابقة: كفاية، اختنقنا.
خلال ثلاثة عقود أدخلنا النهج الأوروبي طريقاً حالماً بالتعددية السياسية، وموّل الغرب فعاليات عن الديمقراطية.. فانشغلت الجمهوريات بالسياسة وأسقطت السياسات.
لا سياسة للإسكان ولا للصحة ولا للثقافة ولا للتدريب ولا للتجارة، فقط زعيق أجوف قد يكون فيه بعض أحلام جميلة بتوقف الصراع كطريق وحيد للوصول للحكم، لكنها أحلام بلا خبرة ولا معرفة ولا حتى اعتراف بالبدائية وبالطريق الطويل وبمقتضيات التغيير.
سحقت ثورة يوليو بذور الاستقراطية ضمن مقتضيات الثورة وكانت ثورة عظيمة لكنها في النهاية ثورة، والثورة طغيان.
لكنها أنجزت للمصريين ملامح دولتهم المعاصرة، وغذت روحاً جموحة، بنت السد ومصرنت القناة ووحدت الأمة وبنت كل ملامح العظمة الممكنة.
مات عبدالناصر، جاء السادات ضمن جدول إقليمي قاسٍ.. واضطربت مصر، وجاء مبارك.. وكان يمكنه أن يبدأ بالمصريين عهداً إضافياً جديداً لكنه غرق وغرقت دولته واستسلمت للا شيء.
تكوّم ملايين المصريين في مبانٍ وطرقات ومؤسسات تكتم الروح وتخنق العقل ولم يكترث مبارك أو بالأصح لم يكن يدرك ذلك كله أصلاً.
في عام 1967 أصدر المفكر جمال حمدان "شخصية مصر"، وقدم في مؤلفه العظيم نصائح صارمة لإنقاذ هذه البلاد، وخص عاصمتها بنصيب الأسد.
توفي الكاتب ولم يأخذ أي نظام بأفكاره، وفي عهد مبارك حدث العكس تماماً.. تضاعف كل شيء إلا التخطيط والترتيب والمعادلات التنموية.
تكوم الشعب فوق بعضه..
اختنقت مراكز التنوير..
سقطت الحياة في عتمة الزحام..
حتى انفجر الشعب في مثل هذا اليوم قبل 12 سنة، والثورات فيها آثام ومنافع.. وقد حمى الله مصر من آثامها وبقي ما ينفع الناس.
استعاد الجيش بلاده.. وبدأت عجلة مخططات ضخمة قد تعيد الدولة الأهم في العالم العربي والشرق الأوسط كله إلى جادة القوة والقدرة والتخطيط وقيادة الحياة ومسايرة التغيير.
يعاني المصريون اليوم من شظف الحياة.. وجوههم تكشف حجم ذلك.. لكن لو دارت العجلة وأعانتهم القدرات سنحتفل جميعاً بدولتنا القومية العظمى خلال أربع سنوات.
اللهم سلم مصر.. وأعن شعبها..
وكل عام وكل مصري بألف خير.