نشوان العثماني
بشأن القضية الجنوبية وتصريحات الرئيس
ردة الفعل جنوبًا بشأن تصريحات رئيس مجلس القيادة الرئاسي مبالغة جدًا.
لا يبدو أنها بسبب هذه المقابلة، إنما لكأنها القشة التي فجرت احتقانًا ما.
سنستعرض هنا ما قاله الرئيس، وما ورد كذلك في بيان "الانتقالي".
لكن من المهم الإشارة إلى أن المجلس الانتقالي بصفته المكون السياسي الجنوبي الأبرز في تمثيل القضية الجنوبية، كان قد حقق رصيدًا ممتازًا على الأرض وفي الميدان السياسي أيضّا، وأصبح أحد أهم أجنحة المجلس الرئاسي.
غير أنه من غير الجيد تسليم زمام الأمور هنا أو هناك أحيانًا للمنفعلين الذين لا يضعون في الحسبان أشياء كثيرة.
قلنا مرارًا: القوة -على نسبيتها- ليست كل شيء.
وأنت لست وحدك وسط كل هذا الصراع المرير والقادم الضبابي.
ومن المهم جدًا أن يدرك الوعي السياسي الجنوبي حاليًا أنه لأجل أن تمضي دفة القضية الجنوبية قدمًا، إلى كل ما تحقق، فمن اللازم أن تتضافر بنية سياسية ذكية جنبًا إلى جنب مع ما هو موجود على الأرض.
فهل سنشهد تقدمًا للوعي السياسي الآن؟ هنا المحك.
وأظن أننا جميعًا نراهن على نباهة هذا الوعي أن يفعلها رغم كل ما يظهر. خاصة وأنت وسط تحالف عريض ولك فيه سند وداعم استراتيجي ليس من المجدي أن تغفله، أو تضر بعلاقتك معه.
دعونا نستعرض ملخص ما أدلى به رئيس مجلس القيادة الرئاسي الدكتور رشاد العليمي في المقابلة التي نشرتها الشرق الأوسط، بما يخص القضية الجنوبية.
قال سيادة الرئيس:
- القضية الجنوبية قضية عادلة، والحديث عنها أو نقاش حلها في هذا الوقت قد يكون غير مناسب.
- عندما نستعيد الدولة، سنضع كل شيء على طاولة الحوار والنقاش، المعالجات بالحوار وليس بالعنف، أو بالفرض.
- معالجة القضية الجنوبية يجب أن تكون في إطار حلول النظام السياسي، مضمون الدولة، وشكل النظام السياسي المستقبلي.
- يجب أن نتأكد أن هناك ضمانات إقليمية، الإخوة الجنوبيون يقولون أحيانًا ما هي الضمانات؟
ونحن نقول هناك ضمانات إقليمية لحل القضية الجنوبية وفقًا لهذا الإعلان، وبالتالي عندما يقال هذا الكلام فهو يشكل ضمانًا رئيسيًا لحقوق جميع الأطراف.
وإذ لم يرق هذا الحديث لـ الرفاق في المجلس الانتقالي الجنوبي الذي يشغل رئيسه اللواء عيدروس الزبيدي عضوية مجلس القيادة الرئاسي (بمثابة نائب الرئيس)، أصدر متحدثه الرسمي علي الكثيري بيانًا، من أبرز ما جاء فيه:
- تصريحات رئيس مجلس القيادة غير دقيقة، ولا تشير إلى جدية الشراكة والتوافقات التي انبثقت عن مشاورات مجلس التعاون الخليجي.
- قضية الجنوب قضية شعب ووطن وهوية ودولة انتجها فشل الوحدة بين جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية والجمهورية العربية اليمنية وحرب احتلال الجنوب في صيف 1994م..
- نقاش قضية الجنوب لا يقبل الترحيل ولا التأجيل، وهو محدد في مخرجات مشاورات الرياض بشكل واضح، حيث تم الاتفاق على إدراج قضية شعب الجنوب ضمن أجندة مفاوضات وقف الحرب لوضع إطار تفاوضي لها.
- يستغرب المجلس الانتقالي الجنوبي من عرقلة إصدار قرار تشكيل الوفد التفاوضي المشترك الذي تم التوافق عليه وهو المعني بالتفاوض حول شكل الدولة والنظام السياسي للفترة الانتقالية والضمانات المطلوبة.
لنناقش هذا التباين..
أولًا: يتحدث الرئيس عن أن الوقت ما زال مبكرًا بشأن القضية الجنوبية ويقرن ذلك باستعادة الدولة أولًا.
وهذا مفهوم بالطبع، أنه باستعادة الدولة يجري حل كل القضايا العالقة وفي مقدمتها القضية الجنوبية.
فـ مع من سيتم حل هذه القضية؟
أليس مع الدولة بعد أن تُستعاد؟
كيف يمكن حلها الآن في إطار عدم استعادة الدولة واستمرار الانقلاب في صنعاء؟
لن يكون ذلك الآن إلا بأن يكون الجنوب للانتقالي والشمال للحوثي، وهذه معادلة غير ممكنة، ليس فقط للحكومة المعترف بها بل حتى للإقليم والمجتمع الدولي.
(لن نفترض حتى جدلًا عند هذا المستوى أن يكون للجنوب دولة غير معترف بها كـ أرض الصومال، فما المجدي إذن؟ عوض أن الحلول لا تناقش هكذا!)
ثانيًا: تحدث الرئيس عن الضمانات، وهي في هذه الحالة سعودية من جهة، ومن جهة أخرى ثمة الإمارات، الداعم الأبرز للمجلس الجنوبي.
ألا يتم الوثوق بمثل هذه الضمانات؟ (وليس ثم خلاف سعودي إماراتي بهذا الخصوص أساسًا..)
ثالثًا: يتحدث بيان الانتقالي عن تعريف القضية الجنوبية، وهذا لا غبار عليه. تلك هي القضية الناجمة عن فشل الشراكة بين الدولتين بفعل حرب صيف 1994 السيئة وتبعاتها.
لكن السؤال: كيف سنحل هذه القضية؟ مع من؟ ومتى؟
الحل هو عن طريق من سيمثل الجنوب في كل قواه السياسية وأبرزها الانتقالي الجنوبي.
ولن يكون إلا عن طريق:
- إما التفاهم على المناصفة في شكل النظام والدولة، كالفيدرالية الـ يكون فيها أو يفترض أن يكون فيها الجنوب من المهرة إلى عدن إقليمًا واحدًا.
- أو الاستفتاء الشعبي.
لا أحد يملك الإجابة النهائية بشأنها الآن.
مع من؟
مع الدولة اليمنية المعترف بها. (حل القضية الجنوبية ليس ملفًا عاديّا، يخص محافظة أو اثنتين.. إنها قضية بحجم ما تمثله تمامًا.)
متى؟
عندما تستعيد الدولة كل سيادتها على كامل المناطق التي سيطر عليها الانقلابيون.
فمن غير الممكن أن يحدث الآن بسبب هذه الحالة الخاصة؛ لعدم تعافي الدولة الواقعة تحت الفصل السابع، وهذه من البديهيات.
(يُسأل بهذا الخبراء القانونيون)
ومن يضمن؟
المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة وفقًا لـ"مخرجات مشاورات الرياض".
ماذا تقول هذه المخرجات بشأن الجنوب؟
التالي:
"إدراج قضية شعب الجنوب في أجندة مفاوضات وقف الحرب لوضع إطار تفاوضي خاص لها في عملية السلام الشاملة."
السؤال: ما هو الإطار التفاوضي الخاص بها في عملية السلام الشامل؟
هذا ما سيحدده النقاش داخل أروقة المجلس الرئاسي ذاته، الـ يحضر فيه الجنوب مناصِفًا، والممثلة فيه القضية الجنوبية على الأقل بـ رئيس الانتقالي الجنوبي وقائد قوات العمالقة.
جنبًا إلى جنب مع ما ورد في النقطة الأخيرة من مشاورات الرياض، والتي تنص على:
"استمرار هذه المشاورات كإطار غير رسمي، بالتنسيق مع الأمانة العامة لمجلس التعاون، للعمل على توحيد الجبهة الداخلية وتنفيذ ما تبقى من خطوات في اتفاق الرياض والمبادرة الخليجية واستئناف المشاورات السياسية التي ترعاها الأمم المتحدة حتى تحقيق السلام المنشود، ومتابعة تنفيذ قرار رئيس الجمهورية (المتعلق باستحداث مجلس رئاسي ونقل الصلاحية الرئاسية إليه)، وتعزيز الشراكة الاستراتيجية بين اليمن ومجلس التعاون."
رابعًا: ورد في بيان الانتقالي كذلك استغرابه من عرقلة إصدار قرار تشكيل الوفد التفاوضي المشترك الذي تم التوافق عليه.
الفريق التفاوضي، حد علمي، تم تشكيله بالمناصفة بين الشمال والجنوب برئاسة وزير الخارجية أحمد بن مبارك، وعضوية عبدالملك المخلافي وناصر الخبجي وعبدالرحمن شيخ وآخرين بينهم امرأتان، كما يضم الفريق المساند للمفاوضين المحامي يحيى غالب الشعيبي.
واتساقًا بالسؤال عن شكل الدولة، فالوفد معني بالتفاوض حولها والنظام السياسي للفترة الانتقالية والضمانات المطلوبة.
إذن، هناك ضمانات إقليمية من السعودية والإمارات.. وهذه منطقة استراتيجية مهمة للإقليم والعالم.
مزيد الانفعال سيضر بموقف الضمانات من مسار الحل المنتظر لاحقًا.
ومن مصلحة الجنوبيين الانتقال الآمن تحت إشراف أممي، يضمن أن يكون الناس هم مصدر الحكم، دون الاقتصار على هذه القوى دون تلك.
والذي نراه أنه مع كل منعطف صعيب يمر به مجلس القيادة الرئاسي، إلا أنه يظل متماسكًا حتى الآن وقادمًا، ولن يتجه كل هذا التباين إلا نحو الحفاظ على هذه المكتسبات، عند حدها الممكن -والأمنيات بالتغلب عليها أكثر بمزيد من الحوار- والمزيد من بناء الثقة والشراكة الفاعلة لتوحيد الجبهة الداخلية.