د. صادق القاضي
فنتازيا الإسلام المعتدل في "يوم المرأة العالمي".!
بات من المألوف أن تستغل مختلف الأوساط العربية. المدنية والدينية، مناسبة "يوم المرأة العالمي". للحديث، في وسائل الإعلام، ومواقع التواصل الاجتماعي. بشكل جدلي. عن إشكالية الحقوق والحريات المتعلقة بالمرأة في هذه الخارطة العريضة من العالم المعاصر.
وبغض النظر عن بعض السلبيات التي تعتري الخطابات المدنية في هذا الشأن، لا يمكن للمراقب إلا أن يشعر بالذهول من رداءة وتهافت وتناقض الخطابات الدينية، إزاء قضية المرأة وحقوقها وحرياتها في الإسلام. سواء التيارات المتطرفة أو المعتدلة.
وإذا كان من المخجل ما يذكره المعروفون بالصراحة والتشدد والتزمت والتطرف الديني، في هذه القضية. فالأكثر نكاية وسخرية ما يطرحه المحسوبون على الإسلام الوسطي المعتدل. من تبريرات وتخريجات غاية في السماجة والحذلقة المكشوفة.
لا اختلاف جوهري بين التيارين. في كونهما يعيدان إنتاج نفس البضاعة التي أنتجها أسلافهم باسم الإسلام. فالفرق شكلي فقط، وينحصر في نوعية الأسلوب الذي يتم فيه إعادة تقديم تلك البضاعة المتقادمة.
وفي حين يتحدث الأصولي المتشدد بصراحة على أن المرأة في الإسلام ناقصة عقل ودين وحريات وحقوق.. استنادا على رأي الفقهاء ورجال الدين القدماء، يقوم الوسطي المعتدل. بتبرير هذا التمييز والانتقاص، وتزويقه وإعادة تسويقه باعتباره مزايا وتكريم للمرأة المسلمة.!
بل يتحدى بعضهم باسم الإسلام. الشرائع والأديان الوضعية، قديما وحديثا، في الشرق والغرب. خاصة الحضارة الغربية، في مجال حقوق المرأة وحرياتها، في الدنيا والآخرة.
..
وبشكل تفصيلي، وبمنطق هؤلاء الوسطيين المعتدلين. فقد كرم الإسلام المرأة، وميزها عن الرجل، في كل شيء تقريبا، وفي كل مراحل حياتها، وهذا التمييز لصالحها دائماً، ومن ذلك:
• عند خروجها طفلة إلى الدنيا:
- "أعتقها الإسلام من وأد الجاهلية". وكأن الوأد كان سنة العرب في الجاهلية. وليس ممارسة شاذة نادرة.!
- سنّ استقبالها بذبيحة "العقيقة"، شاة واحدة مقابل شاتين للذكر. لكي تكون خفيفة الظل. ولا تكون مكلفة.!
- بول الرضيعة نجس بخلاف بول الرضيع، لحكمة وضحها "العلم الحديث" و"الإعجاز العلمي". وكالعادة لا نجد أي مركز علمي مسئول في العالم اكتشف هذا الهراء وكيف عدوه إعجازا.!
• وعندما تكبر المرأة، وللحفاظ عليها، منع الإسلام عنها:
- الخروج من المنزل.. إلا لحاجة. "فهي ملكة في بيتها". يالروعة هذا التتويج.!
- والظهور.. إلا بحجاب. لصيانة جمالها وعفتها، وليس لأنها عورة.!
- والحركة.. إلا بمحرم.. ليكون حارسا لها من الوحوش الآدمية.
- والتصرف.. إلا بوصي.. يكون راعيها وفي خدمتها.!
• كما ميزها الإسلام في العبادات، فأعفاها:
- من فريضة الجهاد. لأنها ضعيفة مرهفة الحس. فوقاها الإسلام من التعرض للعنف والدماء.!
- ومن فريضة الحج إذا لم يكن معها محرم، لأنها بدون محرم ستفتن الآخرين، أو تتعرض للفتنة والأذى.!
- ومن حضور الجُمع والجماعات، فهي ملكة في بيتها، وعليها أن تنشغل بمملكتها.!
- ومن الصلاة والصيام ولمس القرآن وقت الحيض. لأن الحيض أذى، وتحتاج للراحة، ولأنها لا تكون طاهرة في حالة الحيض.
• وكون المرأة ناقصة عقل ودين، لا يعني أنها أقل من الرجل، بل لأنها لا تحتاج للكثير منهما، فالرجل هو الذي يتصرف في كل الأمور، حتى أمور المرأة. فيلزمه عقل أكبر منها، كذلك هو الذي يجاهد ويقيم الدين ويتولى الأمور الدينية، فالمرأة لا تحتاج لكثير عقل. فالرجل يفكر نيابة عنها، ويكفيها في الدين طاعة زوجها لتدخل الجنة.
وفوق ذلك. راعى الإسلام ظروف المرأة هذه، فجعل:
- حصتها نصف حصة الرجل في الميراث. لأن زوجها هو الملزم بالإنفاق عليها وعلى أولاها، كأن زوجها لا يمكن أن يكون فقيرا، وكأنها لا يمكن أن تكون عانسة أو أرملة أو مطلقة.!
- وديتها نصف دية الرجل. لأنها لا تترك فراغا ومسئوليات وراءها كالرجل.!
- وشهادتها نصف شهادة الرجل، ولا شهادة لها في الدماء والجنايات. ليس لأنها ناقصة. بل لأن "العلم الحديث" أثبت أنها تنسى أكثر من الرجل.. وهو إعجاز علمي.!
• وفي الزواج والأسرة:
- حظر الإسلام عليها الزواج إلا بولي، وشهودٍ، قالوا: "حتى لا تُتهم في عرضها".!
- وفرض المهر على الرجل لا المرأة. ما يعني أنها هي الطرف المهم والنفيس والغالي.!
- كذلك النفقة جعلها على الزوج لا الزوجة. لأن الرجل ملزم بالنفقة عليها دائما.
- وحظر عليها تعدد الأزواج، بخلاف الرجل. ليس لأن تعدد الأزواج شنيع بذاته، ولكن من أجل الحفاظ على نسب أولادها.
- كما منحها حق الخلع. للتخلص من الزوج غير المرغوب، فتعيد إليه كامل المهر الذي دفعه، بغض النظر عن المتعة والخدمة التي قدمتها له طوال فترة الزواج.!
- كما صادر عنها حق الطلاق.. ليس لشيء إلا لأنها متهورة متسرعة في الغضب. وأيضا كما أثبت العلم الحديث.!
- وألزمها بطاعة زوجها، ليس انتقاصا لها، بل من أجل زيادة حسناتها، فطاعتها لزوجها عبادة، فيها أجر كبير عند الله، ولم يجعل طاعة الزوج لزوجته كذلك.
• ومن حيث حقوقها وكرامتها كأم:
جعل الجنة تحت أقدامها، وجعلها أولى بالذكر من الأب: "أمك ثم أمك ثم أمك ثم أبوك". وإن كان عمليا قال: أنت ومالك لأبيك".!
• وعندما تموت:
- لا يغسلها إلا زوجها أو نساء مثلها. لأن جسدها مكرم محجوب حيا وميتا.
- وجعل كفنها أكثر من كفن الرجل، فتكفن في خمسة أثواب رعاية لحرمتها. وهذه بالمناسبة هي النقطة الوحيدة التي تزيد فيها حقوق المرأة عن حقوق الرجل.!
• وهكذا كرم الإسلام المرأة، طفلةً وشابة، بنتا وأما، أختا وزوجة، حية وميتة.. هذا في الدنيا. أما في الآخرة. فحدث ولا حرج. تعرفون بقية الحكاية.!
..
في كل حال. لا حاجة هنا لتفنيد هذه التعليلات والتفسيرات والتخريجات المتهافتة، أو الإشارة إلى أنها تعبر بوضوح عن ضحالة وسطحية أصحابها، وسوء تقديرهم وربما ازدرائهم لذكاء وعقول الآخرين، على رأسهم المرأة العربية.
كما لا حاجة لإعادة تأكيد أن هذه المعايير والأحكام المجحفة بحق المرأة، هي في معظمها صناعة ثقافية ذكورية تاريخية تم إلباسها لبوس الإسلام، من قبل أجيال من الفقهاء الأولين، وأن ما يجد له منها سند في النصوص الأصلية الصحيحة للإسلام، هو جزء من التشريعات الإسلامية القابلة للتطور والتكيف مع متغيرات الحياة والزمان والمكان.