كنا أبناء القرى، نحصي السيارات التي فتحنا أعيننا على حركتها في المحيط.
سيارة خالي حميد، أول سيارة يتهامس حولها أهل قريتي، كرسيدا جديدة تتحرك أدواتها أتوماتيك، حميد الشاب الذي انتقل من فقر اليتم والقرية إلى الاغتراب وامتلك سيارته، ثم تعاون الأشقاء واشتروا لعبدالقوى سيارته الأجدد، أول سيارة نراها بقراطيسها.
ويا لهما معاً، الشقيقان عبدالقوي وحميد من سائقين، صنعا تاريخ الطرقات في بلادنا، أمان وجرأة الأول يسابق الريح أما الثاني فيسوق كأنه رسام يحرك ريشة المرسم بهدوء والتزام.
ثم سيارتي هزاع وثابت، وبابور سلطان حمود.
ثابت الذي التزم كأنه ثالث الليل والنهار في مواعيده بين القرى والأسواق، قبل أن يأتي جميل النجد ومحمد عبدالكريم الحوجلة.
العم هزاع، صاحب الجلسة المميزة خلف مقود الصالون، يتسمر باهتمام لا يغير بصره ولا يخفف سرعته، ولن أنسى ابتسامته الدائمة كلما لقاني في الطريق، يتوقف ليسلم على "بن علي عبده".
أما "القلاب" وهو أول وسيلة نقل ثقيل تراه أعيننا، فقد أتى به سلطان، الذي ترك الخياطة في الرياض واشتغل في نقل الأحجار وكل متطلبات البناء.
كان سلطان أول المثقفين الذين يلفتون انظارنا إلى القراءة ويتحدث كما لو كان مذيعاً بدأ للتو برنامجه التلفزيوني.
وهناك التويتي والعويتي وعبدالله ناجي عمر، أول طَبَل نحتفل بما يحمله لنا من هدايا الآباء المغتربين.
كانت الطرقات تشق للسيارات مكاناً داخل وعينا وعواطفنا وذاكرتنا، ربما لا يزال هناك في اليمن قرى تعيش ذات الظروف لكنها قلة.
أشواقنا كبرت باتساع هذه الطرقات وتكاثر سياراتها..
ثم تاه الجميع وانفتحت الأبواب كما لو صارت أبواباً بلا عمارة.