منذ تسعينيات القرن العشرين ظهرت واضحة شكوى الآباء والأمهات من المؤسسة التعليمية، وتطورت اليوم إلى أعلى مستوياتها، فصار لدينا جيش كثير من الآباء والأمهات الذين يجأرون بالشكوى من المدرسة ويزعمون أنها لم تعد ذلك المكان المناسب للتربية وللتعليم.. ابني في الصف السادس لا يستطيع قراءة جملة في الكتاب قراءة صحيحة.. ابني في الصف التاسع لا يحفظ جدول الضرب الصغير.. بنتي ترغب في المذاكرة لكنها لا تحسن القراءة ولا حل الفرض المنزلي.. طلاب هذا الوقت لا يجلون الآباء والأمهات ولا يحترمون الكبير ولا يراعون حق الجار، فأين دور المدرسة وأين المعلمات والمعلمين؟ إنهم فاشلون، لا يعلمون أبناءنا كما ينبغي لهم، ولا ينشئونهم على مكارم الأخلاق، ولا يربونهم على التحصيل الدراسي، ولا حب التعليم والعلم.. وهلم جرا.. وكثير من الآباء يذهبون إلى المدرسة للعنها وتوبيخ الإدارة والمعلمات والمعلمين، وهذا السلوك يفيد منه التلاميذ لجهة ازدراء المدرسة وقلة الأدب في التعامل مع معلميهم ومعلماتهم.
لا نجادل حول تدهور العملية التعليمية بكل مكوناتها ومدخلاتها بسبب تقصير الحكومة، لكن المدرسة ما تزال تقوم بدورها في الحدود الدنيا.. لا تستحق المدرسة هذا التشويه، ولا يجوز للآباء والأمهات لعن المدرسين والمدرسات في الوقت الذي قرروا فيه التخلي عن أدوارهم.
يذهب التلميذ إلى المدرسة ويمضي فيها أربع ساعات، هذا إن بقى إلى نهاية اليوم الدراسي ولم يخرج من بابها أو يققز من فوق السور ويفر باسماً.. وبعد الأربع الساعات يخرج من المدرسة إلى البيت أو الشارع أو سوق العمل ليمضي عشرين ساعة خارج المدرسة بعيداً عن مسؤولية المعلمين والمعلمات، فأيهما الأكثر تأثيراً في الطلاب فترة الساعات الأربع أم العشرين، قلدكم الله؟ بل إن البيت في معظم الحالات يقوم بدور مضاد لدور المدرسة ويفسد رسالة المعلم والمعلمة كما تفسد قطرة الخل قارورة العسل، ففي المدرسة يحصل الطالب على دروس في الصدق واحترام الوالدين والكبار والجيران وصنوف الخلق الإسلامي الكريم، بينما يعلم الكذب تعلماً مقصوداً في البيت، ويتعلم الإساءة للكبير والوالدين والجيران وخيانة الأمانة.
هاكم مثالاً صغيراً، لا ينكره أب أو أم، وهو أن قول الوالد أو الوالدة للولد الذي يطرق الباب يسأل عنا قل له أبي غير موجود، أمي خرجت! أليس هذا السلوك غير القويم ينسف قيمة أخلاقية عليا أو يرسل للولد رسالة محرضة ضد فضيلة الصدق التي يحاول المعلمون زرعها فيه؟
حتى ثمانينيات القرن العشرين كان الأمهات والآباء المتعلمون يؤدون دوراً متمماً لدور المدرسة، يهتمون بالأبناء، يساعدونهم على رفع مستوى التحصيل الدراسي، يخصصون بعض الوقت لتعزيز مهارات الخط والإملاء لدى التلميذ، حل المسائل الرياضية، المطالعة، أداء الواجب المنزلي، ويسمحون لهم بالترفيه عن النفس رياضة ورفقة وغيرهما، والأمر الأساسي أن يمضوا معظم أوقاتهم في البيت.. هذا الدور تلاشى بالنسبة لمعظم الآباء والأمهات المتعلمات، فما بالكم بالأميين.. لم تعد هناك متابعة ولا مساعدة ولا صحبة الوالدين للأبناء، فالآباء في مقايل القات وبعد البحشامة لا يطيقون سماع ابن أو رؤية بنت، والأمهات في مجالس التفرطة، والأبناء ينتشرون في الشوارع والأزقة عرضة يومية لأسوأ أنماط السلوك.. إلى جانب ذلك فإن الوتسب وفيسبوك ووسائل الإعلام الاجتماعي الأخرى أخذت الآباء من الأبناء، أو يهرب إليها الوالدان بعيداً عن الأبناء.
نعتقد يا قومنا أن ثلاثة أرباع المهمة التعليمية لم يعد هناك من يقوم بها، عفا الوالدان نفسيهما منها، لذلك ينبغي الكف عن تشويه صورة المدرسة، والامتناع عن لعن المعلمات والمعلمين وتحميلهم مسؤوليات تقصيرنا.