إن الحرب التي تشنها الذراع الإيراني في صنعاء على اليمنيين شملت كل مناحي الحياة وتفاصيلها الصغيرة والكبيرة، ولم تتوقف على شيء بحد ذاته، كالاستيلاء على السلطة والثروة، بل وصلت إلى ما هو أبعد من ذلك، إلى حيث تحويل المجتمع إلى قطيع يسمع ويطيع وينفذ، وهو الشيء الذي يتقدم "الحوثي" نحو استكماله وتحويله إلى واقع حقيقي، مستنسخاً من "جمهورية "الخميني" في إيران.
إن المقطع المصور للقيادي الحوثي "الفيشي" وهو يحاضر مجموعة من قيادات الحوثي ويظهر فيه وهو يتحدث عن المعادلة الخمينية للسيطرة على الحكم والأخذ بالنهج الانتخابي كواجهة ديكورية، واعتبار أن عبدالملك الحوثي من المقدسات التي لا يمكن المساس بها، وأنه من الممكن الخوض في انتخابات لكن تحت رعاية "الحوثي" المقدس، حد تعبيره.. يمثل مقطع الفيديو هذا صورة متطورة لمرحلة جديدة بدأ الحوثي يستعد لتنفيذها، وتحويلها إلى واقع ملموس.
عمد الحوثي إلى تكبيل حزب المؤتمر الشعبي العام، وأوغل في طرد قيادات حزب الإصلاح، وبقية الأحزاب الأخرى، واشترى قيادات لأحزاب الناصرية والاشتراكية، وأطعمها من الأموال ما يجعلها تتماهى مع أي مشروع قد يؤسس لأن يصبح الحوثي "مقدساً" لا يمكن الوصول إليه أو عزله أو انتخاب شخص غيره، وهذا ما يفسر وجود نية وخطط أسهمت إيران في نضجها وإخراجها بشكل يستوحي التجربة الإيرانية في تركيبة الحكم والسلطة والانتخابات.
الحوثي وجد في الشرعية وتشكيلاتها المتصارعة، فرصة لأن يثبت كيانه في الشمال، ويستنسخ التجربة الإيرانية ويطبقها في شتى النواحي، وما نظرية الانتخابات وبقاء هيمنة الحوثي على شيء إلا مرحلة من المراحل التي تتخلق في الشمال وتتحول إلى صورة مصغرة لما يحدث في طهران، ولهذا يستوجب على الشرعية سرعة لملمة صفوفها والتحول إلى مربع الجبهات والتخندق خلف شعار واحد وهو استعادة الشمال والدولة والجمهورية والديمقراطية.
يريد الحوثي أن يكون هو الشخص الوحيد في اليمن الذي لا يمكن المساس بمكانته، ويريد أن تتضخم هالته وأن يتحول إلى "المقدس" واعتبار منازعته من الأمور التي لا يمكن غفرانها أو القبول بها بتاتاً، يريد أن يكون اليمنيون عبيداً وقطيعاً ينفذ أجندته ويتحول إلى شعب يهتف باسم "المقدس" والموت فداءً له، ربما أن النرجسية التي طغت على الحوثي جعلته يرى الآخرين في مستوى أدنى وأقل منه، وهذا مرض بحد ذاته، لا يقبل اليمنيون أن يكون هناك شخص يؤمن بأنه "مقدس" ومستواه الخلقي والاجتماعي أكبر من كل اليمنيين، وله الأفضلية في الحكم والسلطة والثروة والسمع والطاعة.