عبدالستار سيف الشميري
"21 سبتمبر".. عن سيكولوجية المليشيات الحوثية
مهاد.
جماعات اليمين الديني عموما ترقد وسط ترسبات هائلة من الخرافة والغيبيات، تمنع عنها النظر بواقعية للعالم.
مقاربة..
أي مقاربة لدراسة الظاهرة الحوثية سيكلوجيا تقودك إلى أربع محددات أساسية تتحوصل عندها الفكرة الحوثية وهي:
1- الفيد والجباية والنهب كاقتصاد غنيمة.
2- الخرافة والولاية كمنهج ومرجعية.
3- القتل والدم كسلوك وممارسة.
4- العنصرية أو السلالة كرؤية.
ومن خلال هذه المحدادت السيكولوجية المستقرة في الذهنية لمليشيات الحوثي يمكن تفسير الظاهرة تفسيرا سلوكيا أو سياسيا، ومن خلالها أيضا تؤسس الجماعةمع سبق إصرار وترصد لقطيع يؤمن بالخلافة والخرافة والولاية ويستثمرونه في جبهات القتال.
من أين تتغذى الجماعة؟
تاريخيا أول صور التشدد الأصولي كان على يد الخوارج في القرن الأول الهجري، وعلى طول التاريخ الإسلامي كان هناك جبهتان الأولى مسلحة بيقين "كونكريتي" تؤمن بشمولية الدين ومرجعيته الكاملة في كل تفاصيل النشاط البشري، دون ترك مساحة للعقل والتفكير والاجتهاد، وجبهة عقلانية ترى في الدين ظاهرة فكرية وخيارا شخصيا، قابلا للنقاش والسؤال والتأويل وحتى الإنكار.
في القرن الثاني كان هناك أحمد بن حنبل، وفي الجبهة الأخرى واصل بن عطاء ومذهبه المعتزلة.
وفي الثالث كان هناك المتوكل الذي حاصر المعتزلة، ورفع من قدر التشدد الحنبلي.
في الجانب الآخر كان ابن الراوندي والكندي والفارابي والرازي.
ومع القرن الرابع الذي قُفل فيه باب الاجتهاد رسمياً من قبل بني العباس، كان هناك العظيم ابن سينا وأبو حيان التوحيدي والمعري.
ومن هنا انتشرت فيروسات التشدد الذي اغترفت منه جماعات كثيرة سنة وشيعة.
كان الحشاشون أبرزها، وظهرت الهادوية في اليمن ضمن هذا السياق، أخذت ثوب الزيدية لكنها كانت مفارقة تماما لمنهجها وأصولها.
ورغم أن الإمام زيد لم يكن فقيها أو صاحب مذهب فقهي ولم يكتب كتاب فقه وكل ما خلفه مسند حديث هو مسند الإمام زيد، ورغم ذلك سمي مذهب باسمه ذلك.
"الزيدية" طورت نفسها فقهيا من خلال بعض الفقهاء من بعده.
لحظة الافتراق...
لعل أبرز التباين بين الهادوية التي تلبس جلباب الزيدية هو فكرة الإمامة في البطنين لم تكن عند زيد صاحب نظرية جواز تولي المفضول مع وجود الأفضل ويقصد أن علي بن أبي طالب الأفضل وأبو بكر الصديق المفضول.
وهو هنا يعترف بخلافة أبي بكر، لكن الهادي ذهب عكس التيار الزيدي الذي ابتناه زيد وقلب أصل الفكرة الزيدية رأساً على عقب وبدا الاقتراب من النهج الشيعي.
ثم تطورت تاريخيا أفكار عديدة وعبر التخصيب الزمني ولدت "الخمينية" ومن رحمها جاءت الحوثية كمسخ مشوه يحمل جينات مختلفة.
وهذا المسخ لا يمكن فهمه إلا من تاريخه أولا وممارسته ومحدداته السيكلوجية الأربعة المشار إليها آنفا.
من سوق القات إلى سوق الكراهية..
ما حدث من انقلاب الحوثي على الدولة في 21 سبتمبر جعل البعض يقرأ الظاهرة الحوثية من نافذة القبيلة والمذهب أو من زاوية الهاشمية السياسية ويحاول تفسير كيف انتقلت المليشيات من سوق القات إلى سوق الكراهية والحرب وقفزت إلى الدولة، دون الحفر عميقا في الجذور والتأثر بالخمينية.
ويبقى هذا التفسير الذي ذهب إليه الكثير محل اعتبار ومعطى قابل للأخذ والرد والنقض أيضا.
متى ستنتهي آثار 21 سبتمبر؟
من خلال التفسير التاريخي والنفسي يمكن الوصول إلى خلاصة أن هذه السمات التاريخية والنفسية قد تمنح المليشيات الحوثية شيئا من الاستمرار لعقود من الزمن، لكنها لن تمنحها الاستقرار، أسوة بأسلافها، الهادوية والجارودية وحتى الخمينية اللائي يرفضهن المجتمع عبر موجات رفض أفضت في النهاية إلى الخلاص.
ربما فرصة الحوثية في البقاء لفترة أطول كونها هذه المرة وجدت آليات دولة جاهزة مكنتها من إدارة شيء من الحكم بطريقتها عن طريق الاستحواذ على السلطة وممارسة وظائف الهيمنة الأيديولوجية، أي التحكم في العديد من الآليات والأدوات، وعلى رأسها النسق التعليمي بمختلف مراحله، ونظم المعلومات والمعارف، وبيئة الحياة اليومية والتجمعات الجماهيرية، ومنظمات المجتمع المدني، لكن ذلك كله يسقط بتراكم نقاط غضب الناس والسخط الذي يبدأ قطرات حتى يفيض السيل على كل شيء.
ولن يستطيع النهر الآسن الذي حفر مجراه على الصمود، مهما رفع شعار "صامدون" وغير ذلك من شعارات، ومهما حاول اختراق بنية المجتمع وتأسيس هويات قاتلة جديدة مفارقة للهوية الأم.