يُنظر إلى إيران دوماً على أنها المحرك الرئيسي لكل المليشيات المتطرفة في المنطقة.
ويعتبرها الغرب كما العرب عنصراً فاعلاً في صناعة الفوضى وتأجيج الصراعات السياسية والعسكرية، ولكن إيران بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي لديها أولويات في مختلف المجالات.
أولاً: أحرج يحيى السنوار إيران بإعلانه طوفان القدس، هكذا يقول الكثير من المطلعين، لكن إيران تعايشت مع الطوفان، وخلقت منه مناخاً جديداً يجعلها في وضع تفاوضي أفضل مع الخصوم، دون أن تخسر طهران أي شيء حقيقي.
ثانياً: أمرت إيران مليشيات حزب الله في لبنان بمشاغلة إسرائيل، دون فتح جبهة حرب موسعة، وحافظت إيران بذلك على حزب الله بصفتها قوة تحتل الدولة اللبنانية، وإسرائيل نفسها تعترف هيئة بثها الرسمية بأن 90% من صواريخ حزب الله تسقط في مناطق مفتوحة.
ثالثاً: أوعزت إيران لـ"الحوثيين" بالقيام بعمل عسكري بحري غير مسبوق في المنطقة، قرصنة بحرية في مياه البحر الأحمر وبحر العرب، وقصف صاروخي عشوائي يطول سفناً كل يوم تقريباً، وقصف أمريكي غربي من باب الرد المحدود، وهامش إيراني كبير، نتيجة تحول اليمن إلى دولة فاشلة ومنكوبة، وحصول إيران على مكتسبات متنوعة، نتيجة هذا الإرهاب الخطير.
رابعاً: سمحت إيران لمليشياتها في العراق بشن هجمات ضد القوات الأمريكية، لكن خروج الأمور عن السيطرة فجأةً، بعد حادثة البرج 22 في الأردن، ومقتل جنود أمريكيين، أجبر إيران على كبح جماح أتباعها وإيقاف كل شيء، وإرغام المليشيات على الالتزام، ولهذا توقفت المليشيات عن قصف مواقع أمريكية منذ العاشر من فبراير/شباط الماضي باعتراف البنتاغون.
خامساً: حافظت إيران على حالة تنظيم الخلاف مع الدول الخليجية بعد اتفاق الصين العام المنصرم، ولم تنقطع اللقاءات والمكالمات بين وزيري الخارجية السعودي والإيراني، في دلالة على حرص إيران على التمسك بعلاقات أفضل مع دول الخليج ومصر، وتجاوز الأزمة في غزة واعتبارها نقطة التقاء وليس فرقة وخلاف.
سادساً: أولويات إيران تقتضي زيادة المنافع وتقليل الخسائر، فإيران تتوقع خسارة نفوذها في غزة بعد هزيمة "حماس" و"الجهاد"، لكنها تعول على دعم استمرارية الانقسام الفلسطيني، بما يكفل لها منفذاً حقيقياً على القضية الفلسطينية.
سابعاً: قد تذهب إيران بعيداً في تفاهم مع أمريكا حول صفحة جديدة تفتح على وقع صراع إسرائيل مع الفلسطينيين في غزة، لكن هذا التفاهم مرتبطٌ بطبيعة ما ستفرزه الانتخابات الرئاسية الأمريكية، هل سيكون بايدن رئيساً لفترة رئاسية ثانية أم سيعود ترامب؟
ثامناً: لا شك أن انتخابات البرلمان ومجلس خبراء القيادة الأخيرة في إيران قبل أيام، هي بمثابة إعادة هيكلة داخلية للحكم ضمن منظومة الملالي، وهي استفتاء واضح على أحقية نجل خامنئي مجتبى بخلافة أبيه من عدمها بعد موت المرشد الحالي، لكن في نفس الوقت نسبة عزوف الكثيرين عن المشاركة في التصويت تعكس الفجوة الحاصلة ضمن الدولة الإيرانية.
تاسعاً: قد تبحث إيران عن هدن سياسية كما تبحث مليشياتها في المنطقة عن هدن عسكرية، لكن من المؤكد أن إيران لا تزال تولي أهمية مطلقة لمشاريعها الهدّامة، والمرتكزة على زعزعة الاستقرار في عدد من الدول العربية.
نقلا عن العين الإخبارية