يتحرك الشارع احتجاجاً وغضباً على أي انتهاك يمس سيادة البلاد ومركزها القانوني والتنازلات المميتة والانتحارية لصالح جماعة متمردة بينما لا يظهر توضيح كافٍ للمناورة السياسية الجارية من القيادة السياسية.
من غير الطبيعي ظهور هذه المفارقة بين الموقفين الرسمي الغامض والشعبي الصريح ومن غير الطبيعي أيضاً تجاهل هذا الضغط الشعبي.
هناك خلل في التواصل يولد فراغاً إعلاميّا يخلق كل هذه البلبلة. بمثل ما هناك ضغوط خارجية للاستجابة لطلبات الحوثي والجيران والأمم المتحدة هناك ضغط شعبي صادر عن إرادة جماعية غير قابلة للتجاهل نابعة من حرص الشعب على الدفاع عن مكاسبه الجمهورية ومؤسساته وعلى خط معركته السياسية في الحياة. يجب الالتفات إليه والتخاطب مع القوى السياسي والجماهيرية.
قبل اتخاذ أي قرار والامتثال لطلبات الخارج على صانع القرار أن يأخذ بعين الاعتبار القوى الجماهيرية وتوجهاتها وأن يستفيد من هذا الضغط ليكون ضغطاً موازياً مضاداً يحول دون التفريط بمصالح البلاد والاستسلام التدريجي والهزيمة بالتقسيط.
جعل المعركة معركة المعبقي في هذه اللحظة هو دليل على تواري الفاعل الرئيس في صنع السياسات في الشرعية ومؤسساتها. من المعيب أن تغيب قيادة الحكومة في التخاطب مع الشارع أو يختفي مجلس الثمانية فيترك الناس تتحلّق حول بطل فردي متوهم دون إيضاح الرهانات السياسية وتكون عرضة للدعاية المعادية والانتكاسات النفسية.
قليل من مصارحة الشعب والتوجه إليه يمكن أن تملأ من هذا الفراغ السام.
لستم أول من يعاني من ضغوط خارجية. فالعلاقات الدولية قائمة على ضغط وضغط مضاد. وليس قراركم أول قرار تحت ضغط الأشقاء. فالعملية مكشوفة ولم تعد خافية على أحد والصيغ المخاتلة لم تعد في محلها.
أتصور أن صناع القرار المتخذ بخصوص تعليق الإجراءات البنكية الخاصة بالسويفت قد تعاملوا مع المعطيات وحقائق الواقع، وعلى ضوئها انتهجوا أقل الأضرار، فلماذا عدم مصارحة الشعب في هذا ولماذا لا يأخذون بعين الاعتبار صورة الشرعية عند إخراج أي قرار.
عشر سنوات كافية لإقناع المجتمع الدولي بعدم جدية الحوثي في خيار السلام أو جعله في مواجهة سياسية ودبلوماسية مع الأمم المتحدة والقوى الدولية. لقد تجاوز الحوثيون المواجهة السياسية والدبلوماسية إلى مواجهة خشنة وتدخلوا في البحر وأثروا على التجارة الدولية.
لم يعد أحد في الدوائر البحثية أو العسكرية والأمنية أو الدبلوماسية الغربية وغير الغربية لا يعرف هذه الحقيقة عن الحوثي.
الوقت لا يسمح فقط بالاستجابة المناسبة معها لأنها قضية مؤجلة لا غير.
بالمقابل حان الوقت أن تثبت الشرعية أنها حريصة على صوت الشعب وعلى خط معركته وأنها تريد أن تثبت له أولاً أنها تستجيب له ولمخاوفه وتطلعاته قبل أي شيء.
كلما عزلت الشرعية نفسها عن صوت الجماهير كانت أضعف أمام حلفائها والقوى الدولية والمنظمات.
لا يوجد طرف بحاجة إلى طمأنة وكسب ثقة الشرعية وتأكيدات ثبات أكثر من الشارع في مناطق الشرعية ومناطق الحوثي على السواء.
ولا هذا لا يتم إلا بالوضوح في الخطاب المدروس وسياسات تنتزع مكاسب وتوقف شره الحوثي بحيث تغدو كل خطوة سياسية هي مقابل واضح للشعب: آلاف الملفات عالقة ولم يتزحزح منها ملف، ومع هذا ستذهب الحكومة حيث يراد منها.
من صفحة الكاتب على إكس