نايف القانص

نايف القانص

تابعنى على

سلالة النقاء.. من الأسطورة إلى الواقع اليمني

منذ 4 ساعات و 21 دقيقة

لقد عانت البشرية عبر تاريخها من إشكالية التمييز القائم على ما يُسمّى “النقاء السلالي”، حيث اعتبرت بعض الجماعات نفسها منحدرة من أصول خاصة ومتعالية على بقية البشر. في النصوص الدينية القديمة، كما ورد في “سفر التكوين” بالكتاب المقدس، ظهر مفهوم “النيفليم” (Nephilim) أو “أبناء الله” (Sons of God)، الذي كان أساسًا لروايات تتحدث عن كائنات سماوية تمايزت عن بقية الناس. وقد أسهم هذا الاعتقاد في ترسيخ شعور بالتفوق لدى جماعات بعينها، ومن بينها اليهود، مما ولّد صراعًا طويلًا مع محيطهم الإنساني.

واليوم، نجد أن العقلية ذاتها قد انعكست في بعض البيئات الإسلامية، حيث باتت مناسبات دينية كذكرى المولد النبوي تُستغل لترسيخ فكرة النقاء السلالي، عبر ادعاء الانتساب إلى “المركز المقدس” الذي ينحدر منه النبي محمد (ص)، أي ما يُعرف بـ “أهل البيت”. هذا التوجه، الذي قد يبدو في ظاهره دينيًا أو روحانيًا، سرعان ما تحوّل في بعض الدول، ومنها اليمن، إلى عامل انقسام مذهبي واجتماعي عميق.

لقد أدى تضخيم هذا الخطاب إلى استخدام مقدرات الدولة لترسيخه، مما أثار ردود فعل مضادة؛ إذ برزت تيارات سنية بقوة في مواجهة هذا الطرح، بينما بدأ قطاع من الشباب والمثقفين يعيدون النظر في علاقتهم بالدين، بل إن بعضهم انسحب كليًا من الانتماء الديني نتيجة ما لمسوه من تطرف واستغلال للمقدس. وإلى جانب ذلك، تزايدت الانقسامات الاجتماعية والمناطقية، حتى أصبح النسيج الوطني مهددًا بالتشظي.

إن التطرف المذهبي، مهما كان مصدره، لا يجلب سوى الكراهية والفرقة. لقد آن الأوان لأن ندرك حجم الأذى الذي خلّفته هذه العقليات، لا فقط على صورة الدين والنبي وأهل بيته، بل على وحدة المجتمع واستقراره. فالتعقّل والمراجعة الجادة للخطاب الديني والمذهبي أصبحا ضرورة وطنية وأخلاقية، إذا أردنا أن نحمي أنفسنا من دوامة العداء والكراهية، والحروب التي لا تنتهي.

من صفحة الكاتب على منصة إكس