بعد عامين من المعارك، عاد سكان قطاع غزّة إلى أرضهم، وإن كانت محروقة. لكن أحدًا لم يمنعهم من العودة، لا حماس ولا إسرائيل.
في اليمن، في قطاع حرض ـ ميدي تحديدًا، انتهت الحرب فعليًا قبل سبع سنوات، لكن سكان هذا القطاع لا يزالون مهجّرين وممنوعين من العودة إلى أرضهم ظلمًا وإرهابًا.
في حرض، حوّل الحوثي المدينة إلى ثكنة عسكرية وممر لتهريب الكبتاجون وكل الممنوعات إلى السعودية.
وفي ميدي وأجزاء من حرض، حوّل الإخوان المناطق الواقعة تحت سيطرتهم إلى ثكنة عسكرية أيضًا، واستغلوا ميناء ميدي والجزر كممر للتهريب إلى ذات الوجهة. استولوا على المنازل والممتلكات، واستبدلوا السكان الأصليين بالعسكر، مثلما فعل زميلهم الحوثي تمامًا.
سبع سنواتٍ من التهجير والظلم والقهر يتجرعها سكان قطاع حرض ـ ميدي بصمتٍ، يموتون في خيام النزوح في عبس جوعًا ومرضًا، وأرضهم ومزارعهم على بعد مرمى حجرٍ من مخيمهم.
يشاهدون، بمرارةٍ وأسى، الغرباء وقد حلّوا بديارهم وأقاموا حولها أسيجة المنع والتحذير من الاقتراب، فتغلبهم العبرات الحَرّى، ويقضّون كمَدًا وغيظًا، ولسان حالهم:
"نُفيتُ واستوطنَ الأغرابُ في بلدي".
سبعُ عجافٍ مرّت على جريمة تطهيرٍ عرقيٍّ مورست ضد نحو مليون إنسانٍ هُجّروا قسرًا من مساحةٍ تبلغ 144 كيلومترًا مربعًا (مساحة المديريتين مجتمعة)، أي ما يقارب نصف مساحة قطاع غزّة ونصف سكانه.
لكن ضمير العالم الأعور لم يشاهد هذه المأساة، أو لم يأبه لها بالأصح. لم تتلفّظ الأمم المتحدة ومنظماتها ببنت شفةٍ إزاء هذه الكارثة الإنسانية.
لماذا؟
لأن بقاء الحال على ما هو عليه يدرّ لخزائنها ملايين الدولارات، كنتيجةٍ مباشرةٍ للتسوّل الأممي باسم الجوعى.
قرأنا خلال هذا العام العديد من النداءات والتحذيرات التي أطلقتها الأمم المتحدة، من أن كارثة مجاعةٍ وشيكةٍ تهدد الآلاف من نازحي حجة في عبس.
لكننا لم نقرأ يومًا تقريرًا حقوقيًا يشير إلى أصل المشكلة، أو يطالب ميليشيات التهريب المحتلّة لقطاع حرض ـ ميدي بالسماح لهؤلاء الجوعى بالعودة إلى مزارعهم ليفلحوها ويطعموا أطفالهم، وإلى شواطئهم وقوارب صيدهم وحياتهم الطبيعية السابقة قبل وصول الجائحة.
أو حتى يسألهم، مجرد سؤال:
بما أنكم في حالة سلامٍ غير معلن منذ سبع سنوات، ما الداعي إذن لحرمان مليون تهاميٍّ من حق العودة المكفول في قوانين الدنيا، المتفق عليها وغير المتفق عليها؟
لماذا تُصرّون على تعذيب هؤلاء البسطاء وقتلهم بنذالةٍ ولؤمٍ قلّ نظيره ومثيله؟
وللأسف، ليست منظمات العالم وحدها من تلتزم الصمت، بل حتى الحقوقيون المحليون والنشطاء الذين يُفترض أنهم من أهلنا وأكثر الناس معرفةً بمعاناة الناس هناك، لا يستطيعون التحدث حول الأمر.
وإن تجرأ بعضهم، فهَمْسًا وتلميحًا، لا بيانًا وتصريحًا.
وذلك إما تجاهلٌ متعمّد، أو خشيةُ ملاحقة، أو إبقاءٌ لمصلحةٍ ذاتية.
وما أكثر عبيد المصلحة، وأجبنهم، وأخوفهم عن قول الحقيقة.
من صفحة الكاتب على الفيسبوك