وأنا عيوني مصوّبة نحو الشمال، وعاصمته، وكل محافظاته الثلاث عشرة المغتصبة والمحتلة، وثرواته وإيراداته المنهوبة، وثلاثين مليون مواطن يمني يتجرّعون مرارة الفاقة، مكبّلي الأيدي، مخيطي الشفاه، في ظهورهم خنجر، وعلى رؤوسهم فوهة بندقية.
عيوني مصوّبة نحو آلاف الأبرياء المكدّسين في بدرومات وزنازين المخافر والأقسام وسجون الأمن والمخابرات الحوثية، في كل مديرية ومحافظة.
عيوني مصوّبة نحو أرضٍ نُهبت جبالها وسهولها ووديانها، وأحجارها وأشجارها. أُهين فيها العزيز، وذُلّ بها الكريم، وانتهكت فيها كرامة النساء قبل كبرياء الرجال.
أُمّمت بها الدولة بكامل مؤسساتها وقطاعاتها: اقتصادها، استثمارها، اتصالاتها، مياهها، تجارتها، بنوكها، شركاتها، ولصالح عصابة، في ظاهرة لم تحدث منذ نشأة أول تجمع بشري على وجه الأرض؛ أن تُصادر دولة كاملة، بقطاعها العام، لصالح قطاع خاص تمثّله عصابة قطاع طرق.
أُيمّم وجهي صوب الشمال؛ عاصمتي، ومحافظتي، وبلادي، ومنزلي، وأهلي، ثم أدير طرفي في كل الاتجاهات، أبحث عن مئات الآلاف، بل الملايين من الشماليين المُهانين مثلي، بلا وطن، لكني لا أرى إلا السراب.
وفقط ضجيج أصواتهم المتداخلة يأتي من كل بقاع الأرض، ومن شوارع عواصم الدول، وأحياء مدن القارات الخمس؛ يتحدثون عن كل قضايا العالم إلا قضيتهم، عن مصالح كل بلدان الكوكب إلا بلدهم، عن حرية وحقوق وكرامة كل إنسان في كل الدول، إلا عن كرامة وحقوق وحرية من ينطقون بلهجتهم: الصنعانية، والمحويتية، والذمارية، والخبانية، والإبية، والتعزية، والتهامية، والصعداوية، والمأربية، والريمية، والبيضاوية.
وبعد إنصاتٍ طويل لأصواتهم المؤجرة للعالم، إلا لبلادهم، أدير طرفي صوب ما تبقّى لليمن من كرامة، يخبئها المقاتلون الموزعون بين الجبهات في خزائن بنادقهم، وأتشبث بهم؛ آخر ما تبقّى لي ولكل يمني من أمل.
أيها العالم،
أنا ابن صنعاء، وعمران، وذمار، وحجة، والمحويت، والبيضاء، وإب، وصعدة، والحديدة، وريمه، وعتمة، وتعز، ومأرب، والجوف.
لا نفط لدينا، لكننا الثروة الدائمة.
لا حدود لنا مع أي دولة أخرى، وحدودنا الوحيدة مع التاريخ والإنسانية.
ربما لا فائدة مرجوة منا لكم، ولا أهمية، لكننا نناشدكم:
اجعلوا مساندتكم لنا زكاة أموالكم وبلدانكم ودولكم، لوجه الله، وليحفظها الله.
لن ننساه لكم.
دعوة في ظهر الغيب.
أيها العالم، هذه الوجوه التي تقابلونها في مكاتبكم، أو تشاهدونها على شاشات التلفاز، ليست اليمن.
لسنا نحن. ليست قضيتنا، ليست عروبتنا، ليست شعبنا. هؤلاء مجموعة مستثمرين وتجار.
ربما يخدمون توجهاتكم،
مصالحكم، بلدانكم، معارككم،
ويضيفون لكم المشروعية لأجنداتكم.
لا مانع لدينا، وهم كذلك تجار بارعون ومستثمرون شطّار،
لكنهم ليسوا قادة معركة، ولا رجال تحرير، ولا مشروعهم استعادة وطن.
هم جيدون في حالة واحدة فقط:
إذا كان ادخاركم لهم لتوقيع عقد بيعنا، فشهادةً لله لن تجدوا أفضل منهم.
ويبدو، من خلال مصفوفة معاركهم التي يديرونها منذ اللحظة الأولى لتصدرهم مشهدنا المرير، أن معركة تحرير الشمال واستعادة صنعاء ليست في حسبانهم ولا ضمن أهدافهم، بل التسليم سِلْمًا.
وإن لم يكن هذا، فكرمًا منكم، احتفظوا بهم، وامنحونا من يقود معركة استعادة بلادنا.
نحن من نبكي ضياع وطن، ولا أوطان أخرى لنا.
نحن من نُذبح كل ثانية، ونحن نشاهد كرامة شعبنا تُهان، ولقمة عيشه تُسلب، ودياره يسكنها الحزن، وقلوب ثلاثين مليون يمني تمزقها القهر والموت، ما بين ذل الفاقة وفوهة البندقية.
أيها العالم،
ساعدونا لوجه الله تعالى.
من صفحة الكاتب على إكس
>
