صليت مغرباً في أحور، آخر مناطق أبين وأول مناطق شبوة، وقطعت المسافة بعدها في ظلمة الليل.
وحدي.. وبلا أي تنسيق مع احد.
لم أخطط لهكذا رحلة.. إذ لم يكن عقلي مستعداً للتفكير في مخاطرة بأرض كل ما يكتب عنها يتحدث عن الرعب والموت والمخافة.
آخر مرة سرت في هذه الطريق كان في 2013 وبعدها تشارك عيال 2011 في حبسنا بصنعاء..
الإصلاحيون يخوفوننا من كل اليمن، والحوثي يقول لنا: ما في يمن إلا بصنعاء..
تقاسمونا واستسلمنا لهم.
تحركت مستعداً للمجهول..
تشجعت بما رأيته ابتداء في أبين.
فإذا كانت رحلتي القصيرة في أبين قد كانت بسلام، ما بالك - إذاً- بشبوة.
٢
تغطي النخبة الشبوانية أرضها أماناً واحتراماً ومسؤولية.
يقودها قائد المنطقة العسكرية الثانية اللواء الركن "فرج البحسني"، الحمومي المولود في غيل باوزير، وللغيل حكايات كبرى في هذا الفضاء.
يؤشرون لك بالضوء من بعيد، يطمئنون أنك لست انتحارياً إذا هدأت سرعتك..
فهم في محيط حرب ضرورس على القاعدة.. وكل صباح ومساء يمتلئ الإعلام تحريضاً سياسياً عليهم..
مرة هم الانفصاليون.. ومرة هم أدوات المحتل الإماراتي الذي يدعم حرب تحرير صنعاء ودعم آل عفاش..
هم الوحدة وهم الانفصال في نفس السطر الديني المركزي بكل تنوعه.
هم عند إعلام حلفاء ٢٠١١ كل الشرور..
تخيلوا، قوة تنظيمية يستعديها تحالف المتصارعين: الإخوان والحوثي والقاعدة.
ولايمكن القول بأنهم مبرأون من الخطأ، ومن ذا الذي هو كذلك أصلاً..
ثم هل نحن في ظروف حرب أم نتحدث عن الرأي والرأي الآخر..
إذا كنا نتحدث عن الرأي والرأي الآخر.. فلماذا، إذاً، نتراسل بالطائرات والصواريخ إلى صنعاء ومأرب والمخا؟
لماذا، إذاً، بيننا الحروب..
لماذا، فقط، حين نتحدث عن شبوة وحضرموت وعدن، يتحول الأمر عندنا نقاشاً سياسياً.. وحملات انتخابية؟
وإذا كنا نتحدث عن أخطاء نظام الرئيس علي عبدالله صالح، رحمه الله، فما هي، إذا،ً الأخطاء التي نحن ضدها؟
إن لم يكن التعامل مع المجتمعات المحلية والجنوب وتهامة وحتى مأرب..
فماهي إذاً..
كنت أمر كل هذا الطريق وكل الجنود فيه تعبير عن قوى المركز.. وكان هذا المركز يعتقد أن هذه هي الوحدة التي يجب الدفاع عنها، وأثبتت الأحداث أن الجيوش ليست وسيلة لشيء.. أن المجتمع المحلي ورضاه هم من سيقرر حاضر ومستقبل دولته.
واليوم، هذه قوة تنتمي لمجتمعها المحلي، تؤمن كل مار فيه وعابر سبيل.
ويمكن معالجة الأخطاء بتعميق الوعي المشترك وتبادل الاعتراف ببعض.
لم يمد ولا واحد منهم يده حتى لفتح باب السيارة.. يقول لك بطاقتك ويطلب فتح الزجاج.
لايسألك انتماءك ولا منطقتك.. ولا رأيك السياسي.
بالتأكيد هناك حالات من التوتر، لكن التوتر ليس ما يقاس عليه.
وهناك ضروريات أمنية حربية، كالتحقق من المجاميع وتنقلاتها، وهذا عمل لمصلحة المنطقة أولاً.. وأي منطقة لاتقر للأخرى بحقها فلتذهب للجحيم هي وشعاراتها.
مسافات قصيرة بين نقطة وأخرى..
شباب يملؤون العين حضوراً وهيبة وهدوءاً.
في 2013 كان الخوف رفيقي في ذات الطريق، وقبل حصن بلعيد تعرضت لكمين وصادروا ما كان معي من مصاريف، وكانت كل نقاط المكان تطلب مني حق النقطة.
هذه المرة لا في أبين ولا في شبوة، طلب أحد مني شيئاً سوى البطاقة.