الإخوان فرع السعودية.. هم مصدر الخطورة الحقيقية على المنطقة لا إخوان اليمن، ولا إخوان سوريا.
وأعتقد حتى قطر وتحالفها الإعلامي الفاعل جداً ضد أي استقرار، ليست سوى واحدة من أذرع "إخوان السعودية".
هم لوبي مصالح ضارب في الأعماق، ليسوا جماعة دينية ولا مهتمين بالأيديولوجيات. كل هذه مجرد شعارات، وكل هذه الأزمات هي بقايا مخططاتهم..
كان الملك عبدالله بن عبدالعزيز، قد قرر مواجهتهم، ولكن بطريقة مختلفة عما يفعله حالياً ولي العهد محمد بن سلمان.
الملك عبدالله، قرر اعتماد الليبرالية المنظمة والتدريجية.. عبر إعادة ترتيب بيت الحكم وفتح الحوارات الاجتماعية والدينية.
يمكن أن يكون ذلك طريقاً فاعلاً.. لكن الحالة اليمنية تحديداً، تقول إن التنظيمات التي تبطن توجهاً مختلفاً عما تعلنه هي الأقدر على توظيف التعددية لصالحها، بحيث لايبقى سواها في نهاية المطاف وليس لإثراء التعددية.
لنتخيل الأمر تطبيقاً، حين يكون هناك عشرة أصوات، كل صوت ينافح عن تصوره، وبين هذه العشرة أصوات ثلاثة أصوات، فقط، متفقة مسبقاً على ادعاء الاستقلال والحياد والعلمية، تستطيع هذه القلة القلية التحكم في النتائج دون أن يلحظ أحد.. دون أن تستفز في الجماعة أي مخاوف تمنعها من التبطن.
وحين تولى الملك سلمان الحكم في السعودية، بدا أن هذه الجماعة محتفية، بشكل ملحوظ، وقال واحد من منظريها، يومها، إن الملك سلمان معروف عنه الحزم، هل كان يقصد أن هذا الحزم سيكون مدخلهم للفوضى؟ أم أن هذا الحزم كان عامل قلق يحفز على الحركة..
جاءت الحرب اليمنية، وكنا في صنعاء نقيم هذه الحرب أنها إحدى مفاعيل "الاخونة السعودية".. غير أننا لم نستطع، لأسباب عدة، ليس المجال للحديث عنها الان، لترتيب تصورنا وإعادة موضعة تحالفاتنا وفقاً لهذا التقييم.
وساهمنا مع حلفائنا وخصومنا، للأسف، في إبقاء اليمن رهن التصورات التي رسمتها هذه الجماعة، والتي لاتزال حتى اليوم هي من تتحكم بالفضاء العام وبتصورات العالم عن اليمن والأحداث فيها، وهذا أمر مجهد للغاية.. أن تجد الخصوم هم من يرسمون صورتك لدى الآخرين، فيما أنت وخصومك وحلفاؤك مستسلمون لهذه التصورات المؤذية لكم جميعاً.
ولذا، لم تتحول اليمن إلى مصدر خطر على هذه الجماعة الضاربة في أعماق المملكة والمختبئة تحت شعارات من الدين ومن الدنيا والمتحكمة بطبقة من المصالح.
لكن هذه الحرب، في المقابل، لم تصبح وسيلة لها للسيطرة على اليمن والسعودية والمنطقة كلها في آن واحد.
كان يمكن لهذه الجماعة أن تدير الحرب في اليمن بطريقة تخرج بها هي وحدها المنتصرة فيها، منتصرة على اليمن وعلى السعودية وعلى المنطقة برمتها. ولاتزال الجهود قائمة على قدم وساق من أجل ذلك..
فالحوثي فرصة ثمينة لهذه الجماعة لكي تتحكم أكثر وأكثر بالمنطقة التي ستنشغل بجنون الحوثي.. وستتولى هي، في الوقت ذاته، رعايته كنبتة شيطانية تستخدمها كفزاعة.
غير أن فاعلاً جديداً يحاول تغيير كل شيئ، اسمه المملكة 2030، فالملك السعودي منح بلاده فرصة كبيرة للتجدد، وسلم أمر دولته لنجله "محمد".
ولا شيئ يربك الترتيبات الأزلية مثل التجديد..
حين يدخل لاعب جديد على هكذا "انتيكات" مهما كانت حذاقتها، تصاب بالدوار، فكيف وولي العهد جاء مستوعباً للتحدي ولو بدون أن يتحدد ذلك بعنوان "الاخوان في السعودية".. فالأهم هو حماية السعودية والسير بها للأمام.
في هذه المنطقة فإن الدولة السعودية هي الدولة الأولى في تاريخ البشرية كلها في هذه المساحة من الأرض.
لم تستطع الديانات ولا الصراعات إقامة دولة هنا في هذه الأرض المسماة اليوم بالمملكة العربية السعودية بحدودها ومجتمعاتها.
والتحدي اليوم بين يدي محمد بن سلمان هو في الحفاظ على هذه الدولة ونقل أدائها بعيداً عن أيدي الإرهاب الذي تصدر منها وأذاق العالم الويل والثبور.
يمكن ملاحظة أنه في أقل من عام واحد، قفز ولي العهد بالتغيرات إلى أبعد مستوى ممكن، صحيح أن المخاطر لاتزال ماثلة قيد الاختبار.. غير أن هذه الطريقة هي الوحيدة لمفاجأة الترتيبات العميقة لجماعة كهذه.
مغامرة مستحقة لو قدم لها الدعم الكافي ديناً ودنيا ستنقل السعودية والمنطقة إلى شراكة مع العالم تعالج كل الجروح الإرهابية التي سببها منهج هذه الجماعة وطريقتها.
ولو توفر لولي العهد السعودي آلية حكم نقيضة لتلك التقاليد التي مكنت "اخوان السعودية" لجفت منابعهم وأضيف لهم فعلاً كاتماً كذلك الذي فعله الملك عبدالعزيز مؤسس الدولة السعودية معهم حين أراد جيش الاخوان التحكم بمصير الدولة وإبقاءها جماعة كما يفعل الحوثي اليوم باليمن.
إن تقاليد منضبطة محكومة بالنزاهة والشفافية والحيوية والشعبية، ملتزم لروح التحديث ويراعي متطلبات الاستقرار، قادرة على إنتاج دولة تحمي المنطقة والعالم برمته من الآثار المدمرة لهذه الجماعة التحالفية المخبأة في أركان الدين وزوايا المصالح، جماعة تجمع بيدها اليمنى طهر الدين وفي اليسرى أقبح الأفعال والتصورات.. ولا يرمش لها جفن وهي تجمعهما معاً، وهذا هو جوهر كل الحركات السياسية التي تتستر بالدين شيعة أو سنة.