في الوقت الذي صدّق فيه الشعب أن معركتنا ضدّ الإمامة وشرها وظلمها وتحقيرها لمن لا ينتمي لسلالتهم، قد تمّ حسمها بعد ثورة 26 سبتمبر 1962، عاد شبح الإرهاب الإمامي والظلم السلالي يطل بوجهه القبيح البغيض مستهدفا زهرة أبناء الوطن الغالي، من خلال ما يقوم به من قتل وتخريب وتدمير إرهابي خصوصاً منذ نهاية 2014 حتى اليوم، ناشراً الدمار على امتداد الجمهورية اليمنية.
يتساءل المرء، لماذا هذا الخنوع الذي يعيشه الشعب وهو يعاني الأمرّين منذ أن أصاب الله جسد الوطن بهذا الداء القادم من كهف الطلام وغابر الأزمان، لقد فعلت الصدمة فعلها في اليمنيين الذين يعانون الويلات المتتالية بمختلف أنواعها اقتصادية واجتماعية فادحة... وازدادت طينهم بلة بعد أن رأوا وحشية الإرهاب الإمامي السلالي المتمثل في جماعة الموت والشر، جماعة مسيرة العمالة الحوثية وفكرها الإمامي ورغبتها العارمة في إعادة عقارب الساعة للوراء، وهي تسفك الدماء اليمنية الزكية من جديد كما كان سابق عهد الإمامة.
وفي الحقيقة ما كان لجماعة الحوثي أو غيرها من الجماعات الدينية المتطرفة أن تعود وتبقى، إلاّ لأنها استفادت من تناحر السياسيّين والأحزاب الوطنية المؤمنة بالنظام الجمهوري وسواسية الشعب، استفادت المليشيا الحوثية من تشرذم صفنا الجمهوري، وراح يفتك بالوطن والشعب والجمهورية دون رادع، منتقماً من كل حزب سياسي، وكل قيادة وطنية أو شخصية اعتبارية لا تمضي وفق مشروعهم الكهنوتي المتمسك بخرافة كتبها الوافد الأول من سلالتهم، والمنظر الأبرز لجرمهم ومن يمضون على نهجه في القتل والتدمير يحيى بن الحسين الرسي... وكم هو مؤلم مشهد الأحزاب السياسية المتناحرة التي ضيع تناحرها الوطن، وكم هو بشع استمرار هذا التناحر وتوجيه القواعد والأتباع لمهاجمة الطرف هذا أو ذاك من منصات التواصل الاجتماعي وعبر القنوات وإقامة المسيرات والمظاهرات التي تعزز من خلاف المؤمنين بالوطن والنظام وسيادة القانون وتمكن الغوغائيين السلاليين من التمدد والبقاء وترسيخ سيطرتهم وقمعهم للشعب بأسره، وكل ذلك في إطار تصفية الحسابات السياسية والحزبية الضيقة التي ضيّعت الوطن وحوّلته إلى مسرح للتباغض والأحقاد، وقدمته لقمة سائغة للإمامة والدخلاء أذناب الخارج.
أين ذهب عقلاء الوطن؟ ولماذا غاب صوت العقل عن منابرنا السياسية والإعلاميّة؟
ومتى يستفيق أهل السياسة في اليمن من خدر التجاذب والتناحر وتحريك الشارع؟
أسئلة حارقة يطرحها كلّ اليمنيين في سياق حيرة شاملة ألهبت النفوس، حيرة مما تقوم به الأحزاب السياسية الوطنية الجمهورية، حيرة من استمرار هذا الشتات الذي تضرر منه الجميع دون استثناء.
إن المطلوب اليوم هو صدق النوايا من كلّ الأحزاب الوطنية الفاعلة لوقف هذا التناحر المستمر منذ عقد من الزمن، والاهتمام بتخليص الوطن مما يعانيه على يد من لا يؤمنون إلا بأنفسهم وسلالتهم وحقهم الإلهي في استعباد الشعب.. كما ينبغي على كلّ مكوّنات المجتمع المدني العمل على ترسيخ ثقافة الإخاء ونبذ الأحقاد خصوصا تلك التي أنتجتها أزمة 2011، وخلق ثقافة مجتمعية وطنيّة يقظة لتكوين وعي يحمي ويرفد للوطن ويكون درعه الحصين.
ساعة العمل واليقظة تدقّ الآن بقوّة، ولا خيار لنا سوى إنقاذ اليمن وتخليصها حتى لا تعاود يد الإمامة البطش من جديد، وحتى لا نرى مجدّداً دمعة في عيون الثكالى والأرامل والأيتام.