17 يوليو 1978، لم يكن يوماً عادياً من أيام شعبنا اليمني الذي أنهكته الصراعات المتعددة وخيبات الأمل، خصوصا أن هذا اليوم سبقته أحداث جسام مما جعل منصب القيادة طعماً للوصول السريع إلى الموت جراء صراع الإرادات والتوجهات التي عصفت باليمن الجمهوري منذ بدايته، لذا لم يتقدم أحد لمنصب الرئاسة، آنذاك، لعلمه بجحيمية الوضع، فكان من الضروري إيجاد رجل يتحلى بالشجاعة والجرأة والحنكة ليكون فدائياً للوطن والشعب، فإما أن يكون قدره القتل فتستمر حمامات الدم، أو يكون جديراً محنكاً يلعب على التناقضات لترويض الواقع الصعب ليتمكن من إعادة ثقة الشعب بدولته أولاً ثم الانطلاق في تحقيق الازدهار المنشود.
في صبيحة 17 يوليو 1978، كانت اليمن على موعد مع قيل من أقيال اليمن وآخر تبابعتها، إنه الشهيد الزعيم الراحل علي عبدالله صالح، الذي جاء للحكم في ظروف صعبة جدا، عقب مقتل الرئيسين إبراهيم الحمدي (11 أكتوبر 1977) وأحمد الغشمي (24 يونيو 1978)، نستطيع القول إن اليمن واليمنيين بعد هذا اليوم تمكنوا من الدخول في حالة من الاستقرار السياسي والنهوض الاقتصادي وفق ما هو ممكن.
لقد استطاع الشهيد الزعيم تحقيق الإنجازات الكثيرة، ومن بينها إنجازات سياسية مثل تحقيق الاستقرار واستقلال القرار السياسي الوطني، وإعادة القادة اليمنيين المنفيين إلى اليمن، وإحداث قدر معقول من التوافق السياسي، وإنهاء الفترة الانتقالية الطويلة بإعادة العمل بالدستور الدائم عام 1988.
ثم العمل على استعادة الوحدة اليمنية مع قيادة الحزب الاشتراكي، وتحديداً مع أمينه العام علي سالم البيض، ومن بينها إنجازات تنموية، مثل استخراج النفط وإعادة بناء سد مأرب على نفقة المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، والاستفادة من عائدات المغتربين لإحداث قدر من النهضة التنموية في بعض المجالات.
خلال فترة حكم الشهيد لليمن، عاش اليمنيون أفضل مراحل حياتهم دون مبالغة، خصوصاً أنني أتحدث عن مقارنة لما يعانيه اليمنيون منذ تسليمه للسلطة في فبراير 2012م، فالواقع يثبت أن صالح كان تبعاً يمنياً حراً وشجاعاً، حمل حب وطنه وشعبه فأحبوه وما زالوا يحبونه حتى بعد أن ارتقى لله شهيداً مدافعاً عن نفسه وشعبه ومفتدياً الجمهورية بدمه حتى لا تسقط كلياً في يد الإماميين الجدد الناقمين على الوطن والشعب وكل حر سبتمبري.. رحل صالح إلى ربه وبقيت ذكراه وذكرى كل مناسبة له ومعه يعيشها الشعب بتأمل وترحم على روحه وأرواح رفاقه وكافة شهداء الوطن.
تمر علينا هذه الذكرى لأول مرة وهو غائب بجسده عنا، لكننا نستحضره روحاً ومنجزات وأخلاقاً ورجولة عجز القادمون من بعده أن يمتلكوها.