هناك اتجاهان متطرفان في النظر للقبيلة في الجنوب: اتجاه ما بعد الاستقلال، والذي اعتبر القبيلة موروثاً متخلفاً وينافي التقدمية والحداثة بمفهومها اليساري العنيف.. وهذا الاتجاه عادى القبيلة واعتبرها تهمة، وسعى لخلق مجتمع لايعترف بوجودها.
وهو يدعي الآن أن عدن وكل حواضر الجنوب في عهده المعادي للقبيلة كانت في قمة التطور والحداثة..
وهو دخل في عداوة مع القبيلة، لا بسبب أنها كانت عائقاً أمام تخلُّق دولة تُمارس سلطاتها التشريعية والتنظيمية والقضائية والعسكرية والسياسية.. وإنما بوصفها شكلاً اجتماعياً متخلفاً رجعياً ينتمي للماضي.
وهذا الاتجاه شملت عداوته، حينها، كل ما له صلة بالماضي بما في ذلك حتى أسوار المدن وحصونها والتيار الديني وغيره.
والاتجاه الآخر، هو الذي جاء عقب الوحدة في العام 90م الذي يملك أنموذجاً مختلفاً كلياً لحد النقيض في التعامل والنظر للقبيلة والقبائل.
ففي حين كان الاتجاه الأول يعتبر القبيلة تهمة وجريمة،
جاء الاتجاه الثاني ليعتبرها سلطة توازي سلطة الدوله، بل وتمنع وتضعف فكرة الدولة وسلطاتها ونفوذها لتدعم سلطة شيوخ القبائل وتمنحهم السطوة بمال الدولة وسلاحها وغطائها القانوني.
وبالعودة إلى ما قبل الاستقلال في الجنوب سنكتشف اتجاهاً ثالثاً كان معتدلاً بين الاتجاهين المذكورين.
إذ كانت القبيلة حاضرة لاكسلطة دولة ونفوذ وإنما كنظام اجتماعي وإنساني ناظم لعلاقات إنسانية وداعم لسلطات الدولة والحكام في مناطقها وقابلة للتطوير والتعليم والتحديث ولَم تكن، أبداً، مانعاً لوجود الدولة بسلطانها القضائي والعسكري والاقتصادي والسياسي.
ولهذا يجب علينا التفكير بمنهجية مختلفة عن الاتجاه الأول والثاني، لأنهما سبب الدمار والخراب لتركيبة المجتمع والاعتدال في الطرح.
يمكنك أن تكون مع قمع طغيان القبيلة على سلطات الدولة.. لكن أن تندفع للحديث عن إدانة القبلية وتجريمها واعتبارها شكلاً متخلفاً لايليق، فهذا علاوة على كونه طرحاً مثالياً حالماً يفترض أنه يعيش في مجتمع أوروبي.
هو، أيضاً، طرح عدائي لبنية اجتماعية ضاربة جذورها في أعماق تاريخ مناطقها..
وقد أثبتت هذه البنية كفاءتها في الحفاظ على وجود مجتمعاتها وحمايتها من مخاطر قاتلة أمنياً وعسكرياً، فيما تحطمت واختفت كل المكونات الحداثية كالأحزاب - مثلاً - ولَم تصمد، بل إن بعضها تحوّل لخطر داهم بارتباطات من خارج المجتمعات المحلية أو الوطنية.
هناك سؤال يجب أن يطرح نفسه، وهو:
هل القبيلة نقيض للدولة؟
هل العيب في وجود القبيلة كبنية اجتماعية وإنسانية أم في إدارتها؟