في آخر تغطية صحفية أجريتها من جبهات محافظة صعدة التقيت مجدداً بالزميل والصديق الشهيد عبده المختاري، كان لقاؤنا الثالث، ولم نعلم أنه سيكون الأخير.
كان بانتظارنا، صباح الرابع من أكتوبر 2018، حاملاً كاميرته، وهو يرتدي الزي العسكري، مع شال مموه وعلى كتفه علم الجمهورية اليمنية، يومها كان زميلنا في الفريق الإعلامي عبدالكريم المدي يعاني من صداع فبادر المختاري بإنسانيته المعهودة وأعطاه الشال وظل المدي يلف به رأسه طوال زيارتنا لجبهة باقم من صباح ذلك اليوم حتى عودتنا بعد العصر.
كان بجانبي على السيارة، ونحن في طريقنا إلى الجبهة، يحدثني عن بطولات الجيش الوطني وتوثيقه لانتصاراتهم بشغف، فعاتبته -وليتني لم أفعل- على انقطاعه وعدم تزويدي بمستجدات الجبهة لقرابة الشهر، فابتسم وهو يقول سنصل إلى الجبهة وتعرف كيف نعاني حتى ننقل إليكم الأخبار لعدم وجود أو ضعف الإنترنت، ووعدني أن يبذل كل جهده لإرسال المواد الإخبارية بأسرع وقت، وهو ما تحقق فعلاً.
وصلنا إلى الخطوط المتقدمة في جبهة باقم، لم يكن قد مضى على تحرير قرية آل جبارة، وجبل الراس، إذا لم تخني الذاكرة، سوى أقل من 24 ساعة. كان الوضع ما زال خطيرًا في المنطقة المحررة وكان أحد المصورين لإحدى القنوات الفضائية يريد التصوير من مكان غير آمن فمنعه المختاري. قال المصور إن ذلك المشهد مهم فقال المختاري إن ولابد اعطني الكاميرا وأنا التقط المشهد فحياتك غالية، وهو ما تم، فقد أنجز المهمة دون آبه بحياته التي استرخصها لأجل الوطن ونقل الحقيقة من الميدان.
الزميل المناضل عبده المختاري، ظل طوال عمله ضمن المركز الإعلامي، يوثق وينقل انتصارات أبطال الجيش الوطني من الخطوط الأمامية ويرفع من همم المقاتلين بأفعاله الصادقة وروحه المتألقة، ومع ذلك لم يكن إلا الحقيقة ولا سواها، إلى أن ارتقى شهيداً قبل ساعات، وهو يذود عن وطنه راضياً مختاراً.
إنها نهاية كان يرومها في سبيل تحرير اليمن من مليشيا الحوثي الكهنوتية، كان أشجع منا جميعاً، وتحقق له ما أراد، أما لماذا كان الأشجع؟ فلأن ثمة فرقاً شاسعاً بين أن تختار نهايتك وأن تكون مجبراً عليها.