أمور غريبة حدثت في الماضي الغابر ويتكرر حدوثها الآن بشكل محير وخطير ومريب!
وهل كان أحدكم، مثلاً، يتوقع أن يستيقظ من نومه فجأة في الألفية الثالثة ولديه غرماء لا يعرفهم ولا شافهم مرة ولا عايش مشاكلهم ولا اصطف مع أحدهم ضد الآخر، ولكنه مطارد منهم ومتهم بهم ويخوض حروبهم ويعيش خصوماتهم ويتضرر منها أو يستفيد؟ بالنسبة لي عمري والله ما كنت أتخيل أبدا أن ما قرأناه في دروس السيرة النبوية واحنا طلبة صغار في المدارس سيصبح في يوم ما واقع حال معيش نكتوي بنيرانه وخباياه في زماننا هذا، حيث لا أحصنة تتقدم صفوف القتال ولا جمال تحمل هوادج النسوة!
ولا كنت أتصور في يوم أبدا أنني سأفقد شغلي وبيتي وحارتي وجيراني وأصحابي بسبب علي بن أبي طالب وأبوبكر وعمر ومعاوية وفاطمة وعائشة وبقية الأهل والأصدقاء في البوم السيرة النبوية، لكن الحرب التي دمرت بلادي واختلطت فيها منذ 26 مارس 2015 وحتى هذه اللحظة كل أوراق السيرة النبوية التي كنا نقرأ عنها في كتب المدرسة حيرتني وربشت أفكاري ودمرت كل ما كان يفترض بي أن أهتم به كإنسان يعيش الآن في القرن الواحد والعشرين ولديه اهتمامات وأحلام مختلفة عما كان يهتم به أو يحلم به أي صحابي في ذلك الزمن الغابر.
ومنذ أربع سنوات عموما أقلب قنوات التلفاز حق الحوثيين أشاهد خطابهم الديني وأشعر كأن علي بن طالب قتل مغدوراً أثناء حرب الخليج، وأن موقعة الجمل حدثت عندما ضرب الزلزال محافظة ذمار منتصف الثمانينيات، وأن فاطمة لا تزال موجودة حتى هذه اللحظة في صعدة تأكل وتشرب وتتخضب مستعدة للذهاب إلى عرس في صنعاء، وأنه يتعين على عبدالملك الحوثي وخبرته أن يحرسوا موكبها أثناء الذهاب إلى الزفة، لأن أصحاب الإفك واقفين لها في نقطة العلمين!
وأفتح قنوات التلفاز حق الإخوان وأسمع خطابهم يتحدث عن الروافض والرويبضة وأشعر بأن أبو "لؤلؤة المجوسي" كان مُخزن أمس هو واليدومي والزنداني عند عبدالوهاب الآنسي في البيت! وأن أبوبكر الصديق الله يشفيه طريح الفراش، و"عبد الله أحمد علي" مرافق معه في مستشفى الروضة، وأن عائشة ترفض الذهاب إلى أي عرس خارج المملكة العربية السعودية، ورشيدة القيلي تشجعها على ذلك وتقولها "أيوه انتبهي على نفسك"!
خلافات علي وابوبكر وفاطمة وعائشة، رضوان الله عليهم جميعاً، هي في الأساس مجرد تاريخ سياسي لحقبة ما حدثت في الماضي البعيد وانتهت وينبغي للأجيال أن تتعظ منها وتأخذ العبرة كأي دروس مستفادة من التاريخ، وأن يتم التعامل معها كتاريخ مش كـدين ولا كـعقيدة ولا كإرث نبوي، لأنها أشياء حصلت في غياب الرسول وكان قد مات تاركاً وصايا حسنة وأمة عليها السير في الطريق القويم من بعده.