د. ياسين سعيد نعمان
ديمقراطية الرفض.. هل تسفر عن قبول الأكثر رفضاً؟
لا يمكن وصف ما تواجهه الطبقة السياسية البريطانية في الوقت الحاضر من تخبط بشأن خطة الخروج من الاتحاد الأوربي إلا بأنه تعبير عن الوجه الآخر للديمقراطية حينما لا تطرح الخيارات أمام الشعب على قاعدة متكاملة من المعلومات والمعرفة.
كان تصويت البريطانيين بالخروج من الاتحاد الأوروبي صيف عام 2016 قد شكل إحدى هذه الظواهر التي فصلت فيها المعلومة عن الاختيار، فيما بدا أنه اختيار عاطفي أكثر منه معرفي، وهو ما قاد إلى هذه التعقيدات التي عادت بدورها لتضع الطبقة السياسية برمتها أمام مأزق تاريخي حقيقي.
في تواصل مع ما كتبناه في هذه الصفحة حول هذه العملية التاريخية الهامة من التاريخ السياسي البريطاني خاصة، وتاريخ الديمقراطية بوجه عام، يمكن القول إن النتائج التي توصل إليها البرلمان البريطاني خلال الايام الماضية تعكس تعقيدات القضية التي يجري حولها الخلاف ولا علاقة لها بسلامة الموقف من الديمقراطية.
بالعكس لو لم تكن الديمقراطية هي أداة حسم الخلاف لكانت الدماء تملأ الشوارع.
إذاً لنقبل الديمقراطية بكل تعقيداتها وثقالة دمها أحياناً بدلاً من الديكتاتورية وبلاويها.
في آخر اجتماعات مجلس العموم يوم أمس، وبعد أن صوت برفض خطة رئيسة الوزراء بشأن الانسحاب للمرة الثالثة قبل أيام قليلة، ومع تمديد فترة الانسحاب الى تاريخ 12 ابريل الحالي، كان لابد للمجلس أن يختبر الموقف من بعض الخيارات عبر تصويت استدلالي indicative vote ليسترشد بالنتائج لمعرفة إلى أين تتجه الامور.. وكانت النتائج على النحو التالي:
١- رفض الدعوة لاعادة النظر في الانسحاب.
٢- رفض الانسحاب بدون اتفاق.
٣- رفض إجراء استفتاء آخر.
٤- رفض البقاء في الاتحاد الجمركي.
٥- رفض الأخذ بالتجربة النرويجية.
طبعاً مع أغلبية رفض متفاوتة من بديل الى آخر كان أقلها البقاء في الاتحاد الجمركي (صوتين)، وأكثرها الانسحاب من غير اتفاق.
أما خطة رئيسة الوزراء فقد رفضت بفارق 58 صوتا بعد أن صوت معها معظم المتشددين من دعاة الانسحاب وذلك خوفاً من الأسوأ، من وجهة نظرهم، وهو عدم الخروج من الاتحاد الأوروبي، وبعد أن أقنعتهم بأنها ستنسحب من رئاسة الوزراء في حالة تمرير خطتها.
هذه النتائج الاستدلالية تزيد المشهد تعقيداً، ومما يمكن أن يستدل به من تناقضات هو أن المرفوض في عالم السياسة قد يصبح موضوع توافق رغماً عن كل ما كل ما يمثله من رفض وشكوك.
وفي الحالة التي أمامنا ربما كان الانسحاب من غير اتفاق no deal Brexit هو ما تدفع إليه ظاهرة الرفض لكل الخيارات التي شهدها مجلس العموم مرتين متتاليتين خلال أسبوعين فقط.
* سفير اليمن في لندن
- من صفحة الكاتب على (الفيسبوك)