مروان الجوبعي
الضالع.. انتصار الأمهات وبطولة القيادة
لن تكون الضالع شيئاً لولا هذا الوفاء والتقدير والمواقف الشجاعة والدعم المعنوي الذي تتلقاه من أبناء الجنوب الذين يشاركونها بهذه المعارك المصيرية.
هي تنتصر بهذه الروح الجنوبية الوفية التي تحيط بها وبهذا الدعم وهذه الثقة التي يمنحها إياها أبناء الجنوب عموماً، وبإرادة أبنائها وأبناء الجنوب القوية وإيمانهم بقضيتهم العادلة.
هناك من أراد أن يكسر الضالع بهذا التوقيت ليهينها بيوم عرسها.. ولكنها، كالعادة، لم تخذلنا جميعاً، كسرت أمنيات الحاقدين وانتصرت ووهبت أرواح أشجع أبطالها لحماية نفسها والجنوب من فيروسات الطاعون القادمة من الشمال، هذا الطاعون الذي أنهك اليمن ككل!
كيف لا أحتفل بهذا اليوم، يوم نصرها، وأنا ابنها الذي عاش مرارة الحروب على مدى أكثر من عقدين؟ كيف لا أحتفل بهذا اليوم وأنا الذي تفتق إدراكي على أصوات الرصاص والمدافع ورائحة البارود والدماء التي لم تتوقف عن النزيف طوال تلك الفترة وما زالت حتى الآن؟ كيف لا أحتفل وأنا الذي نهضت صباح طفولة ولبست الزي المدرسي ووضعت حقيبتي على ظهري وخرجت من المنزل ذاهباً إلى المدرسة وفي طريقي اعترضتني أصوات المدافع وأدخنة سوداء في الجبال وقيل لي حينها "عد إلى المنزل". سألت "لماذا؟"، قالوا "المدرسة أغلقت أبوابها، ألا ترى الحرب؟"..
عدت إلى المنزل مرعوباً.
عدت أسأل الكبار لماذا الحرب؟
لم أكن مستوعباً للحدث المشؤوم!
ذلك الصباح بقيت مذهولاً وكنت أظن أن الحرب ستلبث بضعة أيام، ولم أكن أدرك أنها كالثقب الأسود ستبتلع طفولتي وشبابي دون أن تصل إلى نهاية.. وها أنا أب ولم تنته بعد، ولكن هناك بارقة أمل بالنصر الذي تحقق قبل أربعة أعوام وها هو يتجدد اليوم ذلك النصر الذي أبعد معسكرات الغزاة التي ظلت عقودا مرابطة فوق رؤوسنا!
تعددت الذرائع للغزاة والهدف واحد.
تعددت أسماء الغزوات والوجهة واحدة.
تغيرت الأجيال ولم يتغير نهج السلطان ولم تتوقف الغزوات ولم يتغير شيء على الواقع..
انهار مجتمعنا بعد الغزوة الأولى بفعل الضربات الموجعة التي تلقاها ولم يستطع المحافظة على خصوصيته ووسطيته، إذ إن ماكنة الغزاة الإعلامية أثرت على عقول البعض منا واقنعته أنه منحدر من مجتمع كافر، فاسق ومنحل، فغير أفكاره واعتنق أفكار الغزاة، وبعد إيمانه بها تغيرت عمامة السلطان في صنعاء ووجد هذا البعض نفسه بجانب إخوته الذين يشاركونه نفس الجغرافيا، وجد نفسه ضحية لنفس الغزاة بشعارات مختلفة واكتشف أنه كان مخدوعاً!
عادت بعدها رائحة البارود مجدداً إلى سماء الضالع والجنوب في غزوة 2015 بشعار مختلف.. وها هي أنوف أطفالنا اليوم مجدداً، مع كل صباح جديد يشرق، تستنشق البارود ولا يدرون ما هي تلك الرائحة بالضبط، ولا يدرون ما هي الحرب وماذا يريد الغزاة من مدينتهم؟ كما حدث لطفولتنا التي اغتالتها الغزوة الأولى لكنهم بعد حين سيكتشفون الحقيقة ذاتها والدوافع ذاتها التي يهرول الغزاة من أجلها!
عادت الحرب مجدداً إلى أسوار الضالع، وها هن الأمهات يقبلن جثامين أبنائهن الشهداء ويودعنهم إلى مثواهم الأخير بالزغاريد ويقبلن أبناءهن الأحياء على جباههم ويودعنهم إلى أسوار مدينتهم لتأمينها من شر الغزاة وبطشهم.
قلب الأم الضالعية التي صقلته الحروب يختار الزغاريد بدلاً عن الدموع.. كبرياؤه يأبى إلا أن يظهرها قوية أمام أبنائها المدافعين عن مدينتهم حتى لا ينكسروا.
ها هي الضالع والجنوب عموماً في ملحمة جديدة يواجهون الغزاة الجدد مترفعين عن التفاهات والصغائر التي يريد أن يجرهم إليها الغزاة القدامى والجدد ومن يدور في فلكهم!
لا خيار آخر أمامها إلا الدفاع عن النفس.
لا خيار آخر إلا النصر بهذه المعركة..
ها هي الضالع بيوم النصر تزف إلينا بشرى نصر جديد.. وعلى أسوارها المحصنة تتحطم أطماع الغزاة وتنكسر!
*من صفحة الكاتب على (الفيسبوك)