أحب واحترم وأقدر هذا الإنسان الكبير لأسباب كثيرة، أولها وأهمها أنه رجل دولة من العيار الثقيل، فضلاً عن كونه مثقفاً غير دعي، ويتمتع بوعي وطني حصين، وقدرات خطابية قلما يباريه بها أي مسؤول آخر من جيله.
لم يكن زناطاً ولا قروياً ولا مناطقياً ولا بياعاً مشترياً، ولا هو من أصحاب الوجوه المتلونة، ولم يكن في يوم من الأيام مجرد مسؤول عابر يأتي ويغادر المكان الذي يشغله تاركاً خلفه السباب واللعنات، وهو في الأصل مواطن يمني أصيل من أسرة فلاحية مثابرة قبل أن يكون مسؤولاً في الدولة أو قيادياً في المؤتمر الشعبي العام.
وما من موقع قيادي في الدولة شغله الأخ والصديق والأستاذ "حمود خالد الصوفي" إلا وكان حضوره يملأ المكان الذي يجلس فيه، بينما كانت تعز في أيامه، كمحافظ، تعيش أزهى فتراتها.. ولولا وعيه الكبير أثناء ثورة الشبان سنة 2011 لكانت تعز غرقت منذ اليوم الأول في وحل كبير من الدماء.
كنت واحداً من أوائل الشبان الذين خرجوا إلى الشارع مطالبين برحيل النظام، وكنت الوحيد، آنذاك، الذي أمتلك صحيفة أسبوعية مؤثرة وحولي شبان كثر من المستقلين الذين شكلوا النواة الأولى لاعتصامات 2011 في قلب مدينة تعز، بينما كان هو محافظاً يتابع مجريات الأحداث بروح مسؤولة خالية من المكر.
وما لم أكتبه حتى الآن أن الأستاذ حمود الصوفي استدعاني إلى مكتبه في اليوم الثالث من الاعتصامات، لم يهدد، ولم يزايد، ولم يسفه الاعتصامات، ولكنه كان مسؤولاً يريد حقن الدماء ويفكر بسلامة الطريق وصون ممتلكات أصحاب المحلات في الشارع العام، وحماية أحلام الشبان من لصوص العبث والتخريب، وتحدث معي، يومذاك، بكل هدوء عما يفترض بنا أن نقوم به جميعاً كمواطنين لحماية مدينة تعز من جنون الأحداث المرتبكة ومن الفوضى التي كانت قد قطعت شارع جمال في قلب مدينة تعز وسببت اختناقات مرورية ما كان لها أي داع على الإطلاق.
وكان الأستاذ حمود خالد الصوفي هو الذي اقترح عليَّ يومذاك أن أنقل اعتصام الشبان من وسط مدينة تعز إلى محطة صافر بعيداً عن زحام الطرقات كي يبقى قلب المدينة الحيوي في شارع جمال بعيداً عن جنون أي فوضى محتملة، وتعهد بحماية الاعتصامات. وكنت أنا الذي أقنع الشبان بضرورة نقل الاعتصامات إلى محطة صافر وأنا من رسم الملامح الأولى لساحة الحرية.
وأشهد أن حمود الصوفي كان محافظاً متمدناً على قدر كاف من المسؤولية الوطنية باعتباره مواطناً يمنياً أولاً، وباعتباره مثقفاً أصيلاً ينتمي إلى إرث مدني ملهم تشربه من خلال محبته الكبيرة لمدينة تعز، فضلاً عن كونه واحداً من أذكى كوادر نظام الرئيس الراحل علي عبد الله صالح الذين حافظوا على مكانة الرجل باعتباره رئيساً لكل اليمنيين.
ولأنه رجل دولة حاول بقدر الإمكان تجنيب تعز الانزلاق إلى الحرب.. انفجرت بيارة الإخوان في حزب الإصلاح في وجهه، آنذاك، وتعرض لكثير من اللعان والسباب والشتائم القذرة التي دخلت إلى صميم بيته وإلى عائلته بطريقة أقل ما يمكن وصفها أنها سفيهة، ولا يزال حمود الصوفي إلى اليوم خصماً مفترَضاً لبيارة الإخوان.. وليس غريباً أن يشتموه في كل محفل، لأن الإخوان إن لم يشتموا ويسفهوا خصومهم يمرضوا!