عبدالباري طاهر

عبدالباري طاهر

تابعنى على

اليمن.. الثورة ومأزق الصراع

Friday 18 October 2019 الساعة 08:30 am

واهمٌ من يعتقد موت أو نسيان ثورة الـ14 من أكتوبر، بالقدر الذي يستحيل إعادتها؛ فالماضي لا يُستعاد، والتاريخ لا يكرر نفسه، كقراءة ماركس، وقبله قال حكيم العرب أبو العلاء المعري:

“أمس الذي مر على قربهِ
يعجز أهل الأرض عن ردهِ”

اللحظة الاجتماعية لا تستعاد؛ إنها تمضي كجريان النهر الذي لا تستحم فيه مرتين، كحكمة هيراقليطس، ولكن أيضاً لا شيء في التاريخ يموت.

الثورتان: سبتمبر 62، وأكتوبر 63، ثورتان مجيدتان، تركتا أثراً عميقاً في الحياة، ومرتا بأحداث رائعة وراعبة في آن.

أحداث اليمن متداخلة ومترابطة ومعقدة سلباً وإيجاباً.

فثورة سبتمبر ثمرة معطيات عديدة من التأثير الكبير لكفاح الحركة الوطنية، ونضال الأحرار اليمنيين، والنقابات العمالية، والجمعيات، والأندية، والتعليم الحديث، والصحافة العدنية التي كونت خلفية أساسية لتنظيم الضباط الأحرار في “المتوكلية اليمنية”؛ وهو ما يؤكد عمق الترابط بين الثورتين اليمنيتين: سبتمبر، وأكتوبر.

ينتمي قادة الثورة في الشطرين، إلى الحركة القومية (حركة القوميين العرب والناصريين والبعث والماركسيين)، رغم حالات المد والجزر في علاقاتها حينها.

لن نقف إزاء خلفية الثورة ومسارها، فهي مدونة وموثقة ومعروفة.

الأسئلة المؤرقة والحارقة اليوم هي المآلات الراعبة، والحالة البائسة في يمن الثورة؛ فهل نقرؤها في الإرادوية المتسمة بالمراهقة، والقفز على الواقع في الإجراءات، وعدم قراءته بدقة وعمق؟

هل نجد الحل في الخلافات المتحولة إلى صراعات بين أدوات الثورة الواصلة، إلى حروب طاحنة بين الشمال والجنوب، وبين الجنوب والجنوب، والشمال والشمال، وداخل الطرف الواحد؟

انغمس الثوريون -حد الغرق- في الصراع الكالح والدامي، وفي الهوس بالجمل الثورجية، والشعارات الملغومة بالعداء والإقصاء، وبإرث التكفير والتخوين، وخطاب الكراهية والعنف.

يقيناً، فإن شح الموارد، ونقص الخبرة والتجربة جعل الصراع السياسي ميدان الفعل الوحيد، وتراجع البناء، وغابت برامج التنمية والتحديث، وانعدم التنافس على الإنجاز المادي الحضاري في الحياة.

حصيلة الثورة اليمنية في ميادين التعليم والصحة والزراعة والتنمية، متواضعة، وقد أدى الاقتتال شبه المتواصل والتصارع المستدام، إلى تهديم هذا الإنجاز شديد التواضع والبؤس؛ فبعد نصف قرن على قيام الثورة، ما يزال هناك أكثر من 50% في ساحة الأمية الأبجدية، شأن العديد من الشقيقات العربية، بل أسوأ منها، وقد طغى التعليم الديني على كل المواد.

نصيب اليمن من الحروب الأهلية والصراعات المستدامة، كاثر، وتلاقحها مع التدخل الإقليمي والجوار خطر دمر البنية التحتية الضعيفة والهشة، والكارثة أن الجوار الخطر يمتد بالدمار إلى ما بناه اليمنيون عبر تاريخ ممتد وطويل؛ فقد استهدف الآثار والحصون والقلاع والمدن الحضارية والتاريخية، وهذا أحد الأهداف الرائسة للحرب.

التركيبة المجتمعية اليمنية القبلية والبدوية، قوية، وشديدة التخلف والجهل، ومدججة بالأمية والسلاح، وعصية على بناء الدولة أو فرض النظام والقانون، ولكن هذا لا يكفي لتبرير فشل الثورة اليمنية، والحوار الرجعي المنادي المتحالف مع رؤوس القبائل، خطر أيضاً.

فاعل ومؤثر غياب القراءة الصائبة والدقيقة للمجتمع اليمني، ولطبيعة الحكم وبناء الدولة، كما أن غياب الأفق الديمقراطي، والاحتكام للسلاح في قضايا السياسة والرأي، عامل مهم أيضاً.

لن نقف طويلاً أمام فشل تجربة الثورة؛ فالثورة العربية المستندة إلى الغلبة والقوة، والمصابة بوباء الاستبداد، والرافضة مبدأ الشرعية الديمقراطية، قادت الأمة إلى مأزق الصراع والاحتراب، واليمن -في هذا- ليس استثناء، بل هو في رأس القائمة.

في مطلع 2011، هبت رياح ثورة الربيع العربي، بدءاً من تونس؛ فامتشق الحكام المحنطون والمستبدون، السلاح.

انتصرت الثورة في تونس والسودان، وتواجه بقايا العهدة البورقيبية في الجزائر؛ فالمنطقة العربية محكومة بأنظمة فساد واستبداد، إما موروثة من الأسر المالكة، أو عبر تحرير شعبي أو انقلابات عسكرية، ولكنها تتوحد في الاستبداد والفساد، وهي كلها مهددة بشرعية الأمة وإرادتها بديلاً عن حكم التوريث أو الغلبة والقوة.

الأمة العربية كلها متعطشة لرياح ربيع عربي يجتث جذور أنظمة الفساد والاستبداد، وينتصر للانتفاضة الفلسطينية التي قادها أطفال الحجارة عام 87، وجرى الالتفاف عليها بما يشبه التواطؤ.

المظاهرات العراقية رفض للنفوذ الأمريكي والإيراني، وإدانة للتقاسم الطائفي، وتسيد الفساد والاستبداد. أما سوريا فالوضع مأساوي حد الكارثة، وهدفه الأساس تفتيت سوريا وتدمير كيانها.

وتبقى اليمن في انتظار أمطار السلام، كوعد حقيقي للإرادة اليمنية في الحرية والديمقراطية والوحدة والعدل الاجتماعي.

* نقيب الصحفيين اليمنيين الأسبق

• من صفحة الكاتب على الفيسبوك