فيصل الصوفي

فيصل الصوفي

تحف!

Tuesday 16 June 2020 الساعة 08:39 pm

يجد قارئ المرويات الدينية والحكايات الاجتماعية وكتب السير، أوصافاً للشخصيات العربية- الإسلامية في العصر الإسلامي الأول.. وقد تأثر المشتغلون بإخراج وإنتاج الأفلام والمسلسلات الإسلامية، بتلك المصادر، حيث يتصور أصحاب الأعمال الفنية شكلاً معيناً وهيئة معينة للأشخاص، الذين سيتقمص الممثلون أدوارهم.. فتكرست بذلك صورة نمطية للصحابي أو التابعي مثلاً، وأهم معالم الصورة لحية، ولباس معين، وإذا كان مقاتلاً فلا بد له من سيف ودرع وفرس وصوت عالٍ، وأن يتكلم بلغة عربية فصحى وفقاً للقواعد التي قعَّدها النحويون والبلاغيون في العصور اللاحقة!

أسهمت هذه الأعمال الفنية في تكريس تلك الصورة النمطية، وهي في الأساس من بنات الخيال الفني، أو ما يعرف بالفنتازيا التي لا علاقة لها بالواقع الحقيقي.

وتأثير هذه الفنتازيا في المسلم المعاصر عميق، لدرجة أن الأطفال يحاكون تلك الصور النمطية حينما يلتقون في مكان ما من الحي لقضاء أوقات الفراغ، معتقدين أن ذلك هو ما كان عليه أجدادهم في العصر الإسلامي الأول.

في حالات كثيرة كانت مثل هذه المحاكاة تتم من قبل جماعات دينية، ينتهي بها الأمر إلى مأساة تبعث السخرية، كما في حالة الجماعة الإسلامية المتطرفة التي ظهرت فجأة في قطاع غزة العام 2009 ميلادي.. ففي شهر يونيو من تلك السنة قررت الجماعة التي أطلقت على نفسها اسم جند أنصار الله، تنفيذ أول عملياتها الجهادية ضد الكيان الإسرائيلي، وأطلقت على تلك العملية اسم غزوة البلاغ.. تسلح المجاهدون بالسيوف، وركبوا جياداً، وتوجهوا إلى شرق غزة لمهاجمة إسرائيل من وراء الجدار العازل، فكان جنود الكيان في انتظارهم، حيث لم يبقوا على مجاهد أو فرس، وحتى بعد أن قتلوا جميعهم مع جيادهم، تمسك مؤسس الجماعة ورئيسها بالجهاد بالطريقة نفسها، ولكن الجهاد هذه المرة كان داخل قطاع غزة، وضد حركة حماس التي أبادت ما تبقى من أنصار الله دون رأفة!

وحكى لي صديق عن معلم مادة التاريخ في مدرسة ثانوية، كتب سيناريو لمعركة الأهرام التي جرت أحداثها حول غزو الفرنسيين لمصر في نهاية القرن الثامن عشر، وحول الفدائية المصرية، وأن المعلم اتفق وزملائه مدرسي التربية الإسلامية على اختيار الطلاب الذين سيؤدون التمثيلية، وأنه تم تمثيل وقائع المعركة في ملعب المدرسة، ومن باب التشجيع للمعلمين وللطلاب جاء من التلفزيون مصور لتصوير التمثيلية.. قال المعلم كان ينبغي أن تنتهي المعركة بهزيمة جيش المماليك أمام الجيش الفرنسي، ويتوقف التصوير، وبعد ذلك يتم الانتقال للجزء الأخير من التمثيلية، لكن معلمي التربية الإسلامية طلبوا من المصور الاستمرار في التصوير، وأمروا قسماً من الطلاب الذين يؤدون دور المماليك الاستمرار في المعركة أيضاً، لأنها معركة مماليك مسلمين، في مواجهة فرنسيين مشركين، ولذلك لا يجوز توقف التمثيل قبل انتصار الإسلام وأهله، وهزم الشرك وجنده!