سمير الصنعاني

سمير الصنعاني

تعقيباً على تحليل نبيل الصوفي.. سكان صنعاء يتوقون للتخلص من الحوثي ولكن!!

Tuesday 15 September 2020 الساعة 04:31 pm

قرأت مقال الأستاذ نبيل الصوفي رئيس تحرير موقع نيوزيمن حول قضية مقتل الشاب عبدالله الاغبري في صنعاء، وتقييمه موقف الناس على خلفية ردود فعلهم لتلك الجريمة، وتحليله لمشاعر ومواقف المواطنين في صنعاء ونظرتهم لمن هم خارجهم وربما مسايرتهم وقبولهم بالمليشيات الحوثية كأمر واقع وكسلطة على الأقل تحفظ لهم الأمن والاستقرار.

>> نبيل الصوفي يكتب: في عيون ناس صنعاء.. الحوثي "مجرم" ونحن "عدم"

صحيح ما قاله الأستاذ نبيل الصوفي عن أن صنعاء لم تعد تثق فيمن تركها وبات يقاتل الحوثي من فنادق العواصم الخليجية، لكنها بلا شك لا تنظر لكل من يخاصم أو يواجه أو يقاتل الحوثي بنفس النظرة، ذلك أن الناس هنا في صنعاء لا يحبون الحوثي ولا يمكنهم أن يحبوه أو يتقبلوه حاكما لهم في ظل ظروف طبيعية لكنهم مضطرون كما يقول الشاعر:

إذا لم تكن إلا الأسنةُ مركباً *** فما حيلةُ المضطر إلا ركوبها

معظم سكان صنعاء ومناطق سيطرة المليشيات الحوثية مثلهم مثل باقي سكان اليمن قد يقبلون بالحوثي كجزء من تسوية سياسية لكنهم في قرارة انفسهم يتوقون للتخلص من سطوة المليشيات وقمعها وظلمها وفسادها على الأقل وإن احتفظوا بذلك في قلوبهم.

المظاهرات التي خرجت في صنعاء على خلفية قضية تعذيب ومقتل الشاب عبدالله الاغبري عكست حقيقة أن سكان العاصمة صنعاء تواقون للتعبير عن مواقفهم تجاه الحوثي في حال توفرت لهم متطلبات التعبير عن أنفسهم ومواقفهم دون أذى، ولذلك وجدنا مليشيات الحوثي سارعت لمهاجمة تلك المظاهرات وعمدت إلى منعها نهائيا وتوجيه اتهامات للداعين والمشاركين فيها بالعمالة والتعاون مع التحالف والخارج كما هي عادتهم مع كل خصم أو معارض لهم.

لكن في المقابل فإن سكان العاصمة ومناطق سيطرة المليشيات ومنذ انتفاضة ديسمبر التي قدم فيها الزعيم صالح حياته ثمنا لموقفه المناهض لمليشيات الحوثي باتوا ينظرون لكل مقاومة للحوثي ومليشياته من منظار مدى قدرتها على تحقيق انتصار يمكن من خلاله البناء على مشروع وطني بديل للمليشيات لكنهم لم يجدوا ذلك المشروع فقد خذل التحالف وشرعية هادي وحكومة الفنادق ومعهم قيادات الإخوان المسيطرون على جيش الشرعية ومقاتليها وجبهاتها انتفاضة صالح، ثم حجور، ثم المقاومة المشتركة في الساحل الغربي التي كانت قاب قوسين أو ادنى من استكمال تحرير الحديدة، ثم مقاومة البيضاء، وصولا إلى تسليم نهم والجوف لمليشيات الحوثي، وليس انتهاء بما يجري اليوم على تخوم مارب وامكانية ان يكون مصيرها مصير الجوف ويتم تسليمها على طبق من ذهب للمليشيات الحوثية..

الناس في صنعاء يرون ان ما حصل في الحديدة وفي نهم والجوف وما يحصل في مارب اليوم ليس اكثر من مجرد عملية بيع وشراء تمارسها شرعية هادي الهاربة في فنادق الرياض ومن يديرها من قيادات الإخوان الذين يسيطرون على ما يسمونه الجيش الوطني وان كل ذلك ليس سوى مؤامرات تجري بين طرفين الاول وهو الشرعية وإخوانها الذين يسعون لإطالة امد الحرب بغية الحصول على مزيد من الاموال من دول التحالف وبناء استثماراتهم وترتيب اوضاع اسرهم واولادهم في الخارج، والطرف الثاني وهم الحوثيون الذين يهمهم ايضا اطالة امد الحرب حتى يظل ما يسمونه بالعدوان مبررا لهم للبقاء في الحكم وممارسة السلطة بكل ما تعنيه من جبايات اموال، وفساد وسرقات ونهب، وتجارة وارباح، واستثمارات تجارية تشمل مختلف المجالات كالنفط والغاز والادوية والعقارات... الخ، دون ان يقدموا مقابل جبايتهم وممارستهم للسلطة أي شيء أو مقابل للمواطن الذي يصادرون حتى حقه في مطالبتهم بأي شيء كراتبه مثلا، وحقه في قول رأيه تجاه أي قضية فساد بحجة انهم في حالة مواجهة العدوان ومن ينتقدهم فهو داعشي وعميل وخائن يجب اعتقاله ومحاكمته وقتله ومصادرة كل امواله وممتلكاته وتحويلها إلى غنائم لهم.

حين كانت معركة القوات المشتركة في الحديدة قاب قوسين من استكمال تحرير المدينة بمينائها كان الناس في صنعاء يستبشرون خيرا بان ثمة من قد يكسر شوكة الحوثي ويجعله على الاقل يعيد حساباته تجاه الناس، لكن آمالهم تلك تحطمت بعد اتفاق ستوكهولم وقبول التحالف وشرعية هادي بذلك الاتفاق الذي أوقف تحرير الحديدة وضمن للمليشيات الحوثية بقاء سيطرتهم على مينائها، ثم ما لبثت آمالهم أن تحطمت وهم يشاهدون قيادات الشرعية والإخوان يسلمون نهم ومحافظة الجوف كلها لمليشيات الحوثي في ليلة وضحاها، ويهيئون الارضية لتسليمهم مأرب بذات الطريقة، وباتوا يرون ان البديل الذي كانوا يتوقون ان يحررهم من مليشيات الحوثي ليس سوى مجرد تاجر يبيع ويشتري في قضاياهم، مثلما فعل معهم حين عاقبهم بقطع مرتباتهم بحجة انهم يقطنون في مناطق سيطرة الحوثي، اضافة إلى النموذج الامني المنفلت في بعض مناطق سيطرة الشرعية خصوصا في تعز، ناهيك عن الفشل في ادارة الوضع الاقتصادي والاستمرار في طباعة العملة دون تأمين بما مثله ذلك من افقاد للعملة الوطنية لقيمتها وكل ما ترتب على ذلك من نتائج... الخ من الكوارث التي صنعتها وتصنعها شرعية هادي والإخوان في مقابل ان مليشيات الحوثي ورغم كل مساوئها وظلمها وجبروتها لا تزال توفر لهم ولو قليلا من الامن والاستقرار الذي يضمن لهم على الاقل مواصلة حياتهم والقتال اليومي من اجل توفير لقمة العيش لأولادهم واسرهم في ادنى متطلبات الحرية والكرامة.

ختاما.. اقول للاستاذ نبيل الصوفي ان سكان صنعاء ومناطق سيطرة المليشيات الحوثية لا ينظرون لكل من يقاتل الحوثي -كخيار وظيفي حد وصفه وان كان في ذلك بعض الحقيقة في التوصيف– نظرة متساوية فحين تتحدث اليهم ستجدهم يشيدون بالمقاومة المشتركة في الساحل الغربي ونجاحها على الاقل في منع الحوثي حتى من استعادة ما فقده من المناطق، وكذلك يتحدثون بإعجاب عن المقاومة الجنوبية كما هو الحال في الضالع والذين يقاومون الحوثي بشراسة وبعيدا عن المزايدات والتطبيل الاعلامي، لكنهم يسخرون من ما يحدث في تعز وتحول مقاومتها إلى مشروع تقاتل قروي بغيض، كما ان ضربات اليأس المتكررة تحطم معنوياتهم وطموحاتهم التواقة إلى بديل يخلصهم من مليشيات الحوثي وحكمها الكهنوتي الامامي المتخلف شريطة ان يكون ذلك البديل حاملا لمشروع وطن يعيد اليهم بعض امالهم في المواطنة المتساوية والعدالة والحرية، لا مشاريع كانت بالأمس تتهم صالح بالتوريث والعائلية واذا بها تتحول إلى مشاريع عائلية وتوريث قبيح على غرار ما يفعل الحوثي في صنعاء من تكريس لعائلية مذهبية عنصرية مقيتة، أو ما يمارسه مسؤولو شرعية هادي والإخوان من منافيهم في الرياض وغيرها من توريث فج لاولادهم وابنائهم واحفادهم وترك 30 مليونا من شمال اليمن إلى جنوبه إلى شرقه وغربه ووسطه يواجهون مصائرهم بانفسهم جوعا وامراضا وظلما وانتهاكات واعتقالات وتعذيبا وقتلا ومصادرة لحقوقهم وممتلكاتهم من قيادات المليشيات سواء كانت الحوثية في صنعاء ومناطق سيطرتها، أو مليشيات الإخوان في مارب وتعز ومناطق سيطرتهم، أو اتباع الانتقالي في عدن والمحافظات الجنوبية.

اليمنيون وفي مقدمتهم سكان العاصمة صنعاء يريدون بديلا للحوثي لكن لا شيء يترسخ في اذهانهم سوى منظر المتواطئين مع الحوثي عام 2011م وما بعده، والهاربين من صنعاء في سبتمبر 2014م والذين يقاتلون على صفحات التويتر والفيس بوك ويطالبون من سكان صنعاء وغيرها مواجهة الحوثي بجوعهم وفقرهم وعوزهم لكي يحصل مرتادو الفنادق على مزيد من الاموال والمنح والوظائف والترقيات...