فيصل الصوفي

فيصل الصوفي

مقال الحيوان!

Friday 04 December 2020 الساعة 08:38 am

استضافت إسبانيا في العام 1982 المنتخبات الرياضية المتنافسة على كأس العالم لكرة القدم، وكان فيها للعرب منتخبان وحيدان: منتخب عربي آسيوي ومنتخب عربي إفريقي.. اختار وفد الدولة الآسيوية جملاً أصيلاً للمشاركة في العرض الافتتاحي، وأول ما جاء دورهم في العرض وصدحت الموسيقى، وصفق الجمهور للجمل البديع، جفل وهاج ونفر إلى أنحاء الملعب، وكان يلبط بقوائمه أي شيء في طريقه، فعجزوا عنه، لكن فرقة خاصة تدخلت بعد قليل وأسعفت الموقف، حيث أمكنها السيطرة على الجمل بعد مشقة، وقرر أصحابه إلغاء دوره في الاستعراض إلى أن ينظروا في مستقبله بعد انتهاء المنافسة.. في تلك المنافسة وقع منتخب الدولة العربية الآسيوية في مجموعة قوية.. ثلاثة منتخبات أوروبية عتيدة: فرنسا، انجلترا، وتشيكوسلفاكيا، فخرج من كاس العالم بهدفين له، وعليه ستة، وقبل العودة إلى الوطن، وهبوا الجمل لحديقة حيوانات في مدريد، ولم يسأل عنه أحد بعد ذلك، فربما اكتشفوا أنه ليس من سلالة جمال أصيلة، أو أنهم رأوا في ذلك جزاء لمن يسود وجوه قومه!

إسبانيا تعيد اليوم تصدير عجول تستوردها من بريطانيا، وتعرضها للإهانة في بلدان آسيوية وإفريقية، على الرغم من احترامها للمعايير الأوروبية كما يقول أصحاب العجول (بالجيم المعجمة بنقطة تحتها).. وللحيوانات الأوروبية منظمات مشهورة فاعلة مثل: المنظمة الدولية للحيوانات، منظمة التربية الرحيمة للمواشي، منظمة رفاهية الحيوانات.. ورعاية  الأوروبيين لمواشيهم تلاحقها إلى مهاجرها، فبريطانيا مثلاً لا تصدر مواشيها المخصصة للتسمين أو الذبح إلا إلى دول تلتزم بمعايير الاتحاد الأوروبي.. قبل شهور قليلة حدثت هناك ضجة، بعد أن وصلتهم صور عجل بريطاني ميت في مسلخ بلبنان، وآخر في كاتالونيا مات بمجرد سوقه من حظيرة غير نظيفة، وثمة عجل شحن من ميناء قرطاجنة الإسباني إلى منطقة خطرة هي ليبيا! وقالوا إنهم علموا بعجول أخرى ذبحت ذبحاً مروعاً في بلاد شرق أوسطية.. وصرحت وزيرة البيئة: إن التفكير بأن المواشي البريطانية تعامل بهذا الشكل يبعث على الصدمة، وسوف يتعين على الحكومة حظر تصدير الحيوانات للتسمين أو للذبح.. يقولون -وهذا صحيح- إن الحيوانات تعي تماماً ما يجري لها، أو ما يجري حولها، فتشعر بالفزع، لذلك يجب يكون الغذاء جيداً، والحظيرة نظيفة، والمربين، وحتى الذابحين، مدربين كفاية، أما في حال نقلها للخارج فيتعين أن يكون العدد مناسباً للمكان المخصص له في وسيلة النقل، ولا بد من تحديد عدد ساعات السفر في حال عدم التوقف للاستراحة! 

من حق حيواناتنا الرحمة، ومن حقنا لحمة نظيفة، لكن انظروا ما يفعل الجزارون، أما القذارة في مسالخ الحكومة فلا يحتملها إلا من فقد حواسه الخمس.. هذا، والكلاب عند بني الإنسان صار لها منظمات دفاع ورحمة وشفقة، واتحاد دولي يسعى أصحابه لإقناع الأمم المتحدة تعيين يوم من أيام السنة للكلاب، أسوة باليوم العالمي لحقوق الإنسان، ويوم البيئة، ويوم مكافحة التدخين، ويوم الشعر، ويوم العمال، ويوم المرأة، وكلابنا مسعورة مثل معظم ناس هذه البلاد، صار التخلص منهم- لاحظوا: التخلص من الكلاب المسعورة- فضيلة من الفضائل، وليس الوسيلة مهمة، حتى إن حاكماً عربياً لم يجد طريقة سوى جمع الكلاب من العاصمة والمدن الكبرى وشحنها في سفينة قديمة إلى عرض البحر وهناك أغرقت وكلابها، فيا له من قتل رحيم! ونشير هنا إلى خبر قديم، وهو أن حاكم اليمامة -وكان يدعى الربيع العامري- جاءوا إليه بكلب عقر كلباً، فحكم بالقود (القصاص)، لكنه صار موضوعاً للسخرية حتى إن ابن الجوزي أدرجه في كتاب الحمقى لهذا السبب، وفيه قال الشاعر -كما ذكر ابن عبد ربه في العقد الفريد:

شهدت بأن الله حقاً لقاؤه.. وأن الربيع العامري رقيع

أقاد لنا كلباً بكلب ولم يدع.. دماء كلاب المسلمين تضيع