محمد عبده الشجاع
الحرب العبثية.. أزمة بيروت والرياض
قبل أي حديث عن: أين أخطأ جورج الوزير وأين أصاب، يمكن التعريج ورسم صورة مكبَّرة عن مكنون واقع حالٍ مؤلم يجري في أراضٍ عربية الهوى والهُوية من صنعاء إلى بيروت.
إضافة لذلك فإن تاريخ جورج المثالي، قد تنسفه مجاهرته بانتماءاته السياسية لحزب الله ومحور إيران؛ الذي يغذي معظم الانقسامات والمشاريع الطائفية في المنطقة واليمن خصوصًا.
من الواضح إذًا أن أزمة ديبلوماسية كبيرة نشبت بين الرياض وبيروت وأخذت منحى مثيراً للجدل خرج عن قواعد المناورات السياسية الطبيعية إلى خصومةٍ لا سقف لها، كما هو طابع العرب غالبًا فيما بينهم.
جاء ذلك من واقع سحب السفراء، والإشارة إلى أن لبنان لم يلتزم بقواعد العلاقات بين البلدين، بما في ذلك عدم محاسبته لكيانات تقوم بأعمال تخريبية، منها تصدير المخدرات إلى دول الخليج وتحديدًا المملكة وما تصريحات جورج إلا تتويج لتجاوزات عديدة المتهم الرئيسي فيها حزب الله حليف إيران الأبرز في المنطقة، وسائس خيول لبنان وعادياتها.
يتعلق الأمر بصراع واسع الأفق بين نفوذ إيران ومحاولة السعودية وحلفائها إرسال تحذيرات بأنه لا يمكن التهاون مع المشروع الإيراني مهما بلغت انتصاراته الجيوسياسية المتجاوزة للواقع.
تلك هي رغبات الأطراف المتصارعة إذًا، في انتزاع مكاسب لعبة طويلة بعيدًا عن أراضيها، وإن بدا الأمر من صميم الدفاع عن المواقف والقرارات؛ التي تبدو مصيرية، كما هو الحال في تعاملات الرياض مع تصريحات الوزير قرداحي.
وفقًا لما سبق، يمكن القول أنه ليس من العدل، أن تظل صنعاء وبيروت، وبغداد ودمشق؛ حدائق خلفية لنزاعات القوى المهيمنة الباحثة عن رأس مال حرام، ومكاسب على حساب شعوب تلك العواصم؛ ما لم تعد ولو بقليل من الفائدة على المدى البعيد، منها: منع أي خراب جديد، أو تجدد الفوضى وتوسع المشاريع الطائفية على حساب الحياة.
ثمة من سيقف على الحياد فيما يتعلق بسياسة العلاقات ورغبات التقارب، أو اتساع الفجوة، لكن تظل عودة السكينة والاستقرار إلى البيت العربي مسألة حتمية، مقابل إزاحة إيران؛ كطرف إقليمي لا يحق له التدخل في الشؤون العربية، إلا بما يخدم عملية السلام، وحرية الشعوب، ومكانتها بين بقية الأمم.
علينا أن لا نركن في اللحظة الراهنة إلى مكيال السياسة الأمريكية فيما يخص المنطقة العربية عمومًا واليمن خصوصا، وتعاطيها بتلك الصورة المهينة ومطامع إيران وأجنداتها الرئيسية جنوب الجزيرة العربية المتمثلة في كيان (الحوثيين).
التقديرات تقول إن أمريكا انكفأت على نفسها ولم تُظهر أي حماس لإنهاء الصراع في اليمن وردع إيران بالطرق التي نعرفها أو على الأقل دعم تطلعات اليمنيين بالصورة التي يرغبونها، باستثناء ديباجات من التصريحات والإحاطات.
في الحقيقة لقد شكل الصراع الإيراني السعودي، وتدخل هذه الأخيرة في اليمن مطلع 2015 بصورة رسمية ومباشرة، من خلال قصفها أماكن ومنشآت حيوية؛ عقبة في جلاء صورة المستقبل أمام اليمنيين، الأمر الذي أدى لانقسام الأطراف الداخلية، بين مؤيد ومعارض، والأمر يسري على تصريحات وزير الإعلام في الحكومة اللبنانية الجديدة، الذي استطاع انتزاع مؤيدين لما ذهب إليه في جزئية "الحرب عبثية"، وليس بقول آخر.
يمكن البناء على ما سبق أن بلدًا كاليمن، قد وقع في شر أعمال مليشيا الحوثي، وأطماع إيران، وتخوفات الأشقاء في المملكة المبالغ فيها، وربما هي سياسة مرحلة جديدة، رُسمت في دهاليز مظلمة؛ لإشباع رغبات صانع القرار من جهة وتغذية الجغرافيا بالصراعات البينية، بل وثنيها عن تجاوز أي احتقانات للبدء بصفحة جديدة، إضافة لخلق ثأرات بين شركاء اللغة الواحدة والعقيدة الموحدة.