الجامعات اليمنية في زمن الحوثي.. منابر العلم تتحول إلى ساحات تعبئة عسكرية
الحوثي تحت المجهر - منذ 3 ساعات و 9 دقائق
في سياق الانقلاب على المفاهيم الأساسية للعملية التعليمية، تواصل ميليشيا الحوثي مشروعها المنهجي لتفريغ التعليم العالي من مضمونه الأكاديمي، وتحويل الجامعات اليمنية إلى ساحات تعبئة طائفية، ومنصات لتجنيد الشباب وتكريس الولاء العقائدي. ولم يعد التعليم في مناطق سيطرة الجماعة يهدف إلى تخريج كفاءات متخصصة، بل إلى إنتاج أتباع مؤدلجين، ضمن مشروع شمولي يسعى للسيطرة على الوعي، وفرض أجندة الحرب على حساب المعرفة والتنمية.
في أحدث حلقات هذا المسلسل التدميري، حولت ميليشيا الحوثي الإرهابية، حرم جامعة صنعاء، أكبر الجامعات اليمنية، خلال اليومين الماضيين إلى ساحة عرض عسكري، تحت لافتة "فعالية شعبية لخريجي دورات طوفان الأقصى"، في مشهد أثار سخطًا واسعًا في الأوساط الأكاديمية والطلابية.
وشهدت الفعالية استعراضًا لعناصر حوثية بالزي العسكري داخل الحرم الجامعي، وهتافات طائفية تتنافى مع الطبيعة المدنية للجامعة، التي يفترض أن تكون فضاءً للبحث والتعليم لا منصة حربية. ووفقًا لمصادر طلابية، فقد تم إجبار عدد من أعضاء هيئة التدريس والطلاب على الحضور، عبر تهديدات وضغوط إدارية من قبل عناصر موالية للجماعة.
>> الجامعات تحت الحوثي.. إذلال ممنهج وإجبار على الولاء الطائفي
وقالت مصادر أكاديمية إن الفعالية ليست حدثًا عابرًا، بل جزء من خطة حوثية ممنهجة لتحويل المؤسسات التعليمية في مناطق سيطرتها إلى مراكز تعبئة عقائدية وتجنيد للشباب، عبر ترويج الفكر الطائفي، واستبدال المناهج التعليمية بمحتوى يخدم أجندة الجماعة، وتغييب قيم العلم والتخصص والكفاءة.
أكاديميون تحدثوا لمصادر إعلامية عبّروا عن قلقهم العميق من الانحدار المتسارع في استقلالية الجامعات اليمنية، خاصة منذ سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء في عام 2014. وقال أحد الأساتذة، طالبًا عدم كشف هويته، إن ما يحدث "يعكس نية واضحة لتحويل الجامعة من منبر علمي إلى أداة خادمة لمشروع عسكري ديني مغلق".
وأضاف: "في السابق كنا نحارب من أجل الحفاظ على جودة التعليم، اليوم نحاول بصعوبة إنقاذ ما تبقى من روح الجامعة، بينما تُفرض علينا فعاليات لا تمت للعلم أو الأكاديميا بصلة".
تحذيرات متزايدة تصدر من منظمات حقوقية وتعليمية بشأن التداعيات الكارثية لعسكرة التعليم العالي، وما يترتب عليها من تدمير البنية المؤسسية للجامعات، وتفريغها من كوادرها المؤهلة، وتدهور سمعتها الأكاديمية إقليميًا ودوليًا.
وتشير التقارير إلى أن الحوثيين لا يكتفون بتوجيه التعليم لخدمة مشروعهم الطائفي، بل يسعون لاستخدام الجامعات كمراكز لفرز الولاءات، واستقطاب الطلاب إلى صفوف "الدورات الثقافية" التي تُعد بوابة للتجنيد لاحقًا في الجبهات.
في ظل هذا الواقع المأزوم، تتعالى الأصوات المطالبة بضرورة تحرك وطني ودولي لإنقاذ التعليم الجامعي في مناطق سيطرة الحوثيين. وتؤكد مصادر في وزارة التعليم العالي بالحكومة الشرعية أن "الجامعات اليمنية تُختطف بشكل ممنهج، ويجب إدراج ما تقوم به ميليشيا الحوثي ضمن جرائم تدمير البنية التحتية للتعليم".
وتطالب الجهات المعنية بسرعة توثيق هذه الانتهاكات ورفعها إلى المنظمات الدولية، لفضح ما تقوم به الجماعة، واستنهاض موقف أممي يوقف هذا العبث الممنهج الذي يستهدف الجيل اليمني القادم من داخل أسوار مؤسسات يُفترض أن تكون حاضنات للعلم لا منصات للتجنيد والحرب.