إسرائيل تفتح معركة "تصفية الرؤوس" ضد الحوثيين
السياسية - منذ ساعتان و 23 دقيقة
أثبتت الضربات الإسرائيلية الأخيرة في لبنان وإيران مدى فاعلية استهداف القيادات العليا في الجماعات المسلحة، باعتبارها نقطة ضغط حاسمة تقلل من كفاءة الأداء العسكري وتربك منظومات القيادة والسيطرة. ومن الواضح أن إسرائيل قررت تعميم هذه الاستراتيجية على جبهة جديدة لم تكن مطروقة من قبل، إذ وجدت ميليشيات الحوثي في اليمن نفسها، منذ الخميس الماضي، أمام تحول نوعي خطير تجسد في غارة جوية مركزة على صنعاء، أعلنت تل أبيب أنها استهدفت اغتيال أبرز وجوه القيادة السياسية والأمنية للحوثيين.
هذا التحول، الذي وصفه خبراء بأنه "نقلة فارقة في قواعد الاشتباك"، يشير إلى أن إسرائيل انتقلت من ضرب البنية التحتية العسكرية والاقتصادية للحوثي إلى استهداف رأس الهرم ذاته، أي الشخصيات التي تدير القرار السياسي والعسكري للحركة. وهو ما يضع الصراع في مسار أكثر خطورة، ويطرح تساؤلات حول تداعيات هذه المرحلة الجديدة من المواجهة.
مصادر عسكرية يمنية أكدت أن الغارة الإسرائيلية التي استهدفت فيلا في منطقة بيت بوس جنوب صنعاء، حيث كان ينعقد اجتماع رفيع لقيادات الحوثي، أسفرت عن مقتل وإصابة أكثر من 40 شخصًا، بينهم رئيس الحكومة الحوثية أحمد غالب الرهوي، إلى جانب سبعة وزراء آخرين. وأشارت المصادر إلى أن كثيرًا من الجثث تفحمت لدرجة صعّبت على الميليشيا نفسها تحديد هوية القتلى.
القائمة التي تم تداولها ضمت نائب رئيس الوزراء وزير الإدارة والتنمية المحلية محمد حسن المداني، وزير الخارجية جمال عامر، وزير الإعلام هاشم شرف الدين، وزير العدل مجاهد أحمد عبدالله، وزير الشباب محمد المولد، وزير الثقافة علي جار الله اليافعي، ووزير الزراعة رضوان الرباعي، إضافة إلى مدير مكتب رئاسة الوزراء محمد قاسم الكبسي. كما قُتل نائب وزير الداخلية عبدالمجيد المرتضى، في وقت اعتذر فيه وزير الداخلية نفسه – وهو عم زعيم الميليشيا عبد الملك الحوثي – عن الحضور إلى جانب وزير الدفاع محمد ناصر العطفي ووزير المالية عبدالجبار الجرموزي، ما أثار الشكوك حول وجود "رائحة خيانة" أو تسريب مسبق للمعلومة.
في إسرائيل، شبّه مراقبون الضربة بعملية "البيجر" التي استهدفت قادة حزب الله في لبنان، مشيرين إلى أن ما حدث في صنعاء يعكس مستوى تخطيط معقد وجرأة عملياتية فاقت سابقاتها. صحيفة معاريف وصفت العملية بأنها "البيجر الثالثة"، معتبرة أنها جاءت كرد مباشر على تطوير الحوثيين لصاروخ "انشطاري" جديد أربك الدفاعات الجوية الإسرائيلية.
التفاصيل التي رشحت من تل أبيب تكشف أن سلاح الجو الإسرائيلي كان على وشك إلغاء الهجوم في اللحظات الأخيرة، بانتظار وصول رئيس أركان الحوثيين إلى الاجتماع. لكن القرار اتُخذ في النهاية بقصف المبنى حيث كان معظم الوزراء والقادة حاضرين بالفعل. وأسقطت المقاتلات عشر قنابل تزن كل منها طنًا من المتفجرات، ما جعل فرص النجاة شبه معدومة، رغم أن الاستخبارات الإسرائيلية لم تتمكن حتى الآن من تأكيد مقتل جميع المستهدفين.
يرى محللون أن العملية لم تغير فقط في التكتيك، بل في "فلسفة المواجهة" ذاتها. فبدلًا من محاولة احتواء الحوثيين عبر استهداف قدراتهم العسكرية، تبنّت إسرائيل خيار استئصال العقول المدبرة. وهو ما وصفه وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس بأنه "البداية فقط"، مؤكداً أن الحوثيين سيتلقون معاملة مشابهة لإيران نفسها.
لكن في المقابل، يدرك الجيش الإسرائيلي أن هذه الضربة ستفتح الباب أمام رد انتقامي من اليمن، حتى وإن لم يستند الأمر إلى إنذار استخباراتي مباشر. تقديرات الميدان تشير إلى أن الحوثيين قد يسعون لإثبات حضورهم عبر هجمات نوعية تستهدف الملاحة أو العمق الإسرائيلي، وهو ما يعزز المخاوف من اتساع نطاق المواجهة الإقليمية.
الميليشيا الحوثية من جهتها لم تفصح سوى عن مقتل رئيس الحكومة وعدد من مرافقيه، متجنبة الاعتراف بحجم الخسائر، فيما تفرض رقابة مشددة على تداول الأسماء والمعلومات. هذا الغموض يعكس مأزقًا داخليًا عميقًا، فإعلان خسارة صف قيادي بهذا الحجم يعني عمليًا فراغًا في مراكز اتخاذ القرار وتصدعًا في بنية القيادة السياسية للحركة.
معركة "تصفية الرؤوس" التي دشنتها إسرائيل في صنعاء، قد تعيد صياغة مسار الحرب بشكل كامل. فالحوثيون الذين نجحوا خلال العامين الماضيين في توسيع نطاق تهديدهم عبر البحر الأحمر والهجمات الصاروخية، يجدون أنفسهم اليوم عرضة لضربة مختلفة في جوهرها، تستهدف وجودهم القيادي وليس مجرد أذرعهم العسكرية.
وبينما تتواصل التكهنات حول حجم الاختراق الأمني الذي مكّن إسرائيل من تنفيذ الهجوم بدقة، تبقى النتيجة المؤكدة أن قواعد اللعبة تغيّرت، وأن اليمن دخل رسميًا في دائرة عمليات الاغتيال الاستراتيجي، حيث "الرأس" أصبح الهدف المباشر.
وقال وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس: "وجهنا ضربة قاضية غير مسبوقة لشخصيات بارزة في القيادة الأمنية والسياسية لمنظمة الحوثي في اليمن، في عملية جريئة وبارعة للجيش الإسرائيلي". وأضاف "سيُعامل اليمن كما تُعامل طهران - وهذه ليست سوى البداية. سيتعلم الحوثيون درسًا قاسيًا أن كل من يهدد إسرائيل ويؤذيها سيُضر سبعة أضعاف - ولن يكونوا هم من يقررون متى يتوقفون".