قراءة لاتفاق مسقط.. استجداء حوثي للسلام هرباً من مأزق البحر

السياسية - منذ 3 ساعات و 33 دقيقة
المخا، نيوزيمن، تحليل خاص:

بعد عامين من عرقلتها، جرى الثلاثاء، بالعاصمة العُمانية مسقط، التوصل لاتفاق تبادل الأسرى والمحتجزين بين الحكومة اليمنية ومليشيا الحوثي الإرهابية.

الاتفاق، الذي وُصف بأنه "شبه كُلي"، وجاء خلال الجولة العاشرة من المشاورات التي استضافتها مسقط بحضور المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، يقضي بالإفراج عن نحو 2900 محتجز ومختطف من مختلف الأطراف والجبهات.

وبحسب بيان الوفد الحكومي، فإن الاتفاق ينص على إفراج الحوثيين عن 1200 محتجز، على رأسهم القيادي في حزب الإصلاح الإخواني محمد قحطان، إضافة إلى سبعة محتجزين من الأشقاء السعوديين، بينهم طياران، و20 محتجزاً سودانياً. في المقابل، تفرج الحكومة اليمنية عن 1700 محتجز.

تفاصيل الاتفاق، والسرعة التي تم بها، تعود إلى إزالة أغلب العراقيل التي كانت تقف أمام الجولات السابقة من قبل مليشيا الحوثي المدعومة من إيران، وأبرزها رفض إدراج اسم القيادي في حزب الإصلاح الإخواني محمد قحطان.

ومن العراقيل التي وضعتها المليشيا كان إصرارها على وضع أسماء لعناصرها القتلى في الجبهات ضمن كشوفات التبادل، على أنهم أسرى لدى الجانب الحكومي، رغم تأكيد الوفد الحكومي عدم وجودهم ضمن أسرى المليشيا.

هذه العراقيل تم تجاوزها في اتفاق الأمس، بعد تخلي المليشيا الحوثية عن التمسك بها كما حدث في الجولات السابقة، ما أظهر موقفاً غير مألوف من قبل المليشيا بإصرارها على التوصل للاتفاق وإنجاح هذه الجولة من المفاوضات.

إصرار المليشيا على التوصل للاتفاق في هذا التوقيت يعكس وجود حاجة ملحة لديها إلى التهدئة في هذه المرحلة، والرغبة الشديدة في العودة إلى مسار السلام هرباً من الأزمة والمأزق الذي تعاني منه.

وتعاني المليشيا الحوثية من مأزق غير مسبوق في قدرتها على التعامل مع تداعيات التصعيد الذي مارسته في البحر الأحمر خلال العامين الماضيين، بالإضافة إلى تأثير التطورات الإقليمية خلال الفترة الماضية، والمحلية خلال الأيام الماضية.

فالتصعيد الذي مارسته المليشيا استجابة لأوامر محور إيران انعكس عليها بتداعيات غير متوقعة لها، وباتت بنظر العالم خطراً خارج حدود الجغرافيا اليمنية، بعد قيامها باستهداف الملاحة الدولية في البحر الأحمر وخليج عدن.

وأدت مشاهد استهداف وإغراق السفن التجارية إلى انقلاب تام في الموقف الدولي من المليشيا ومن الملف اليمني برمته، ووجدت المليشيا نفسها لأول مرة أمام غارات جوية أمريكية بريطانية وتحالف دولي لحماية الملاحة.

وجاءت ذروة الانقلاب في الموقف الدولي بقرار الإدارة الأمريكية مطلع العام الحالي بتصنيف المليشيا الحوثي كمنظمة إرهابية أجنبية، في خطوة قاسية عمّقت حينها أوجاع المليشيا من الضربات العنيفة التي تلقاها محور إيران في المنطقة.

فمن تصفية قيادة حزب الله في لبنان، إلى سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، شاهدت مليشيا الحوثي تهاوي أركان المحور الإيراني، لتأتي الصدمة الأكبر بالهجوم الإسرائيلي الواسع على إيران منتصف يونيو الماضي، وتصفية قيادات الصف الأول من جيش طهران وعلمائها النوويين.

الهجوم الذي خُتم بمشاركة أمريكية لضمان تدمير شامل للمنشآت النووية الإيرانية، وضع مليشيا الحوثي في اليمن أمام مشهد جديد وصادم، تهاوت فيه مخالب النظام الإيراني، بل بات فيه مصير هذا النظام محل شك.

وفي حين لم تفق مليشيا الحوثي من صدمة انهيار محور إيران، تلقت المليشيا ضربة موجعة بالاختراق الإسرائيلي في أغسطس الماضي، باستهداف حكومة المليشيا وأبرز قياداتها العسكرية في صنعاء، لم تعترف حتى الآن منهم سوى بمقتل رئيس أركانها محمد الغماري.

صدمة الاختراق الإسرائيلي تزامنت مع تلقي المليشيا سلسلة هزائم غير مباشرة على يد خصومها في الداخل، عبر الإعلان عن عمليات ضبط لكميات ضخمة من الأسلحة الإيرانية والمعدات العسكرية، تفوق الألف طن.

تزايد عمليات ضبط الأسلحة والمعدات العسكرية وضع ما يشبه الحصار البحري على المليشيا الحوثي، ليأتي التطور الأهم بقطع خطوط التهريب البحرية بسيطرة القوات المسلحة الجنوبية مطلع الشهر الجاري على محافظة المهرة ووادي حضرموت.

وعلى عكس العادة، جاء صمت المليشيا الحوثية تجاه الأحداث في المهرة وحضرموت ليؤكد حجم المأزق الذي تعاني منه حالياً، وباتت فيه عاجزة عن التهديد أو التلويح بأي شيء، بل تبحث عن الهرب من مأزقها نحو التهدئة، وهو ما انعكس باتفاق مسقط لتبادل الأسرى.