أزمة الغاز المنزلي في تعز.. تلاعب بالأسعار وغياب الرقابة يشعل استياء المواطنين

السياسية - منذ 4 ساعات و 57 دقيقة
تعز، نيوزيمن، خاص:

تتصاعد أزمة الغاز المنزلي في مدينة تعز مجددًا، لتكشف عن واحدة من أبرز صور المعاناة اليومية التي يعيشها السكان في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة. فالمواطنون يواجهون ليس فقط شحًا في توفر الأسطوانات، بل أيضًا فوضى في الأسعار، حيث تتراوح قيمة الأسطوانة الواحدة بين 9 و10 آلاف ريال، في حين أن السعر الرسمي المحدد من الجهات المختصة لا يتجاوز 8 آلاف ريال. هذا الفارق، الذي يبدو بسيطًا على الورق، يمثل عبئًا إضافيًا على الأسر التي بالكاد تغطي احتياجاتها الأساسية وسط ارتفاع أسعار الغذاء والمشتقات النفطية والسلع الأخرى.

وتتهم شرائح واسعة من المواطنين وكلاء التوزيع بالتلاعب المتعمد بالأسعار واحتكار الكميات، عبر التباطؤ في بيع حصصهم أو تسريبها إلى السوق السوداء حيث تباع بأسعار مضاعفة. ويؤكد مواطنون أن بعض الوكلاء يتعمدون إخفاء الأسطوانات عن المستهلكين، ثم يعرضونها في الخفاء بأسعار تفوق القدرة الشرائية لشرائح واسعة من المجتمع.

ويقول أحد الأهالي بلهجة استياء: "الوكلاء يبيعون الأسطوانة بعشرة آلاف ريال رغم أن السعر الرسمي ثمانية آلاف فقط، والبعض يرفض البيع بشكل مباشر ويفتح أبواب السوق السوداء. بل إن بعضهم يسخر من القرار الحكومي بالقول: الذي أصدر التسعيرة خليه يجي يبيع بنفسه". شهادات كهذه باتت تتكرر في معظم أحياء المدينة، وتعكس شعورًا عامًا بالإحباط وفقدان الثقة في جدوى القرارات الرسمية التي تبقى –وفق وصفهم– "حبراً على ورق".

ومع تفاقم الأزمة، يرى مراقبون أن استمرار غياب الرقابة الحقيقية سمح بتحول الأزمة إلى وسيلة استغلال ممنهج، حيث تُباع المادة الحيوية وفق أهواء الوكلاء لا وفق قرارات الدولة، الأمر الذي زاد من حدة الغضب الشعبي ودفع الأهالي إلى مطالبة السلطة المحلية بالتحرك العاجل، ليس فقط لضبط الأسعار، بل أيضًا لوضع آلية توزيع شفافة تضمن وصول الغاز إلى المستهلكين بعيدًا عن حلقات الاحتكار والفساد.

تبريرات الوكلاء

من جهتهم، يبرر وكلاء بيع الغاز المنزلي في تعز ارتفاع الأسعار على المواطنين بالتكاليف الإضافية التي يقولون إنهم يتحملونها. إذ يؤكد بعضهم أن سعر الأسطوانة من مراكز التعبئة الرسمية يصل إلى 8500 ريال، ومع احتساب أجور النقل والمصاريف التشغيلية الأخرى ترتفع الكلفة إلى نحو 9500 ريال للأسطوانة الواحدة، ما يجعل –بحسب قولهم– البيع بالسعر الرسمي المقرر (8 آلاف ريال) “أمراً مستحيلاً” ويعرضهم للخسارة. ويتساءل أحد الوكلاء بلهجة عتاب: "وبكم نبيع إذا كنا نشتري بهذا السعر؟"، في محاولة لنقل عبء التكلفة إلى الجهات الرسمية.

لكن هذه التبريرات تواجه تشكيكًا واسعًا. ففي المقابل، كشفت نقابة وكلاء الغاز عن تضخيم كبير –تصفه بغير المبرر– في أجور النقل من مأرب إلى تعز، موضحة أن الفارق بعد تحسن سعر العملة الوطنية وانخفاض أسعار المشتقات النفطية تجاوز مليوني ريال، كان يفترض أن يُخفَّض من قيمة أجور النقل لا أن يُحمَّل على المستهلكين. وترى النقابة أن هذا التضخيم ما هو إلا وسيلة لتبرير رفع الأسعار وخلق سوق سوداء تزيد من معاناة الأسر الفقيرة.

كما سلّطت النقابة الضوء على خلل في عملية ترحيل الحصص المقررة للمحافظة، حيث لم يتم خلال أسبوعين فقط ترحيل 22 مقطورة غاز (12 مخصصة للمدينة و10 للمديريات الريفية)، الأمر الذي أدى إلى عجز واضح في الكميات المعروضة في السوق وفتح الباب واسعاً أمام المضاربات.

ولم تكتفِ النقابة بالتشخيص، بل طرحت سلسلة من المقترحات الإصلاحية، أبرزها إعادة تسعير الغاز وفق معادلة العام 2021 حينما كان سعر الريال السعودي قريبًا من قيمته الحالية، وكانت أسطوانة الغاز تباع بسعر 6500 ريال شاملة أجور النقل إلى مدينة تعز. كما طالبت النقابة الشركة اليمنية للغاز بتحديد سعر الأسطوانة في صافر عند 2600 ريال فقط، وهو ما اعتبرته أساساً عادلاً لحساب بقية التكاليف.

إلى جانب ذلك، شددت النقابة على ضرورة صرف حصة تعز من أسطوانات الصيانة المقدرة بـ10 آلاف أسطوانة جديدة، لتغطية النقص الكبير في الأسطوانات التالفة والمتضررة، مؤكدة أن استمرار الوضع الحالي يضع المواطن والوكلاء على حد سواء في مأزق حقيقي. ولوّحت النقابة بخيار الإضراب الشامل إذا استمرت الحكومة في تجاهل مطالبها، في إشارة إلى أن الأزمة مرشحة لمزيد من التعقيد ما لم يتم وضع حلول عملية وجذرية تعالج أصل المشكلة بدل الاكتفاء بالمسكنات المؤقتة.

موقف السلطة المحلية

أمام هذا الوضع المأزوم والضغوط الشعبية المتصاعدة، تحركت السلطة المحلية في تعز لاتخاذ سلسلة إجراءات وصفت بالعاجلة، في محاولة لوضع حد لحالة الفوضى التي تحيط بعملية توزيع الغاز المنزلي. فقد أصدر محافظ المحافظة نبيل شمسان توجيهات واضحة تقضي ببيع الغاز مباشرة للمواطنين عبر منافذ محددة، بعيدًا عن وكلاء التوزيع الذين وُجهت لهم اتهامات بالابتزاز وخلق أزمة مفتعلة.

وشملت توجيهات المحافظ سحب تراخيص الوكلاء الممتنعين عن استلام حصصهم أو الذين ثبت تلاعبهم، واستبدالهم بوكلاء بدلاء يتم ترشيحهم من قبل مديري المديريات لضمان استمرار عملية التوزيع وعدم ترك فراغ يمكن أن يستغله المتلاعبون.

كما ألزم المحافظ مدير فرع شركة النفط بالمحافظة بتسليم كافة الأسطوانات الموجودة في عهدته إلى فرع شركة الغاز كعهدة رسمية، على أن يتم بيعها مباشرة للمواطنين وتوثيق العملية بإجراءات قانونية تضمن الشفافية واسترجاعها لاحقًا بعد انتهاء الأزمة.

ووفق مسؤولين محليين، فإن هذا القرار يعكس توجهًا لكسر حلقة الاحتكار التي ظل بعض الوكلاء يفرضونها لسنوات، ما تسبب في اختناقات متكررة وارتفاع أسعار غير مبرر. ويُنظر إلى هذه الخطوة بوصفها اختبارًا لمدى قدرة السلطة المحلية على فرض هيبتها وإعادة الثقة للمستهلكين، خصوصًا وأن أزمات الغاز السابقة غالبًا ما انتهت إلى حلول مؤقتة لا تلبث أن تتبخر.

وفي لهجة حازمة، شدد المحافظ شمسان على مديري فروع شركتي النفط والغاز، ومديري المديريات، ومكاتب المالية والمراجعة الداخلية، سرعة اتخاذ الإجراءات الكفيلة بضمان وصول المادة إلى المستهلكين، محذرًا من أي تهاون في تطبيق التعليمات، ومتوعدًا بمحاسبة المتقاعسين. كما أكد أن الهدف من هذه التدابير ليس فقط إنهاء الأزمة الحالية، بل إرساء آلية توزيع أكثر عدالة وشفافية تمنع تكرار معاناة المواطنين مع كل أزمة جديدة.

غياب الرقابة.. “الاحتجاج الصامت”

ورغم التوجيهات الصادرة عن السلطة المحلية، لا تزال قضية غياب الرقابة الفعلية على سوق الغاز المنزلي في تعز تشكل مصدر قلق واسع. فقد شهدت المدينة مؤخرًا حملة أمنية مشتركة بالتعاون مع جمعية حماية المستهلك، انطلقت بوعود قوية لضبط محطات تعبئة الغاز والمشتقات النفطية، والتأكد من الالتزام بالأسعار الرسمية ودقة الأوزان. وقد أسفرت الحملة عن ضبط مخالفات واضحة في إحدى المحطات، ما أثار ارتياحًا شعبيًا مؤقتًا وعزز الثقة بقدرة الجهات الرقابية على فرض القانون.

لكن المفاجأة جاءت عندما توقفت الحملة فجأة ودون إعلان رسمي عن أسباب التوقف، مما أثار تساؤلات المواطنين حول مصير الرقابة وفاعلية الإجراءات المتخذة. ويؤكد ناشطون مدنيون ومواطنون أن هذا التوقف قد يعكس إما ضعف الجدية في الاستمرار، أو وجود ضغوط سياسية أو اقتصادية من جهات نافذة تمنع ضبط السوق. ويحذر هؤلاء من أن استمرار التلاعب بالأسعار ونقص الأوزان “ينذر بانفجار اجتماعي صامت”، حيث يتحول الاستياء الشعبي المتراكم إلى حالة من الاحتجاج غير المعلن قد تتفاقم إذا لم تُتخذ خطوات ملموسة وعاجلة.

ويضيف نشطاء مدنيون أن حالة الاحتقان هذه، المصحوبة بشكاوى مستمرة من المواطنين، تضع السلطات أمام اختبار حقيقي، يظهر مدى قدرتها على فرض الانضباط وتحقيق العدالة، أو على السماح باستمرار فوضى السوق على حساب حياة الأسر وحقوق المستهلكين.

وبحسب إحصاءات جمعية حماية المستهلك، فإن أكثر من 60% من شكاوى المواطنين في الشهر الماضي ركزت على نقص أوزان أسطوانات الغاز وارتفاع أسعار البنزين والمشتقات النفطية الأخرى، ما يؤكد أن الأزمة ليست مجرد خلل مؤقت، بل حالة متجذرة من الفوضى وغياب الرقابة الفعلية.

وأشار النشطاء أن معالجة الأزمة تتطلب خططاً متكاملة تشمل الرقابة الصارمة، فرض عقوبات رادعة على المخالفين، وتنظيم أسعار النقل والتوزيع، بحيث تكون العملية أكثر عدالة وشفافية، لا أن تقتصر على الحملات المؤقتة التي تتوقف دون سبب واضح، وتترك الباب مفتوحًا أمام استمرار الاستغلال والفوضى.