أسعار قياسية ومرتبات مجمدة… سكان مناطق الحوثيين يواجهون معركة البقاء

السياسية - Thursday 11 September 2025 الساعة 10:35 am
صنعاء، نيوزيمن، خاص:

يعيش المواطنون اليمنيون في مناطق سيطرة ميليشيا الحوثي المدعومة من إيران أوضاعاً معيشية خانقة، وسط ارتفاع حاد في  أسعار المواد الغذائية والوقود إلى مستويات غير مسبوقة، متجاوزة حتى المتوسطات العالمية بشكل كبير. 

هذا الارتفاع الجنوني في أسعار السلع الأساسية يفاقم الأزمة الإنسانية، خصوصاً بالنسبة لشريحة الموظفين الذين حُرموا من مرتباتهم منذ سنوات، ليجدوا أنفسهم في مواجهة مباشرة مع الجوع والعوز دون أي مصادر دخل ثابتة.

وتبرز هذه المعطيات واقعاً مأساوياً لملايين السكان الذين يواجهون تدهوراً مستمراً في قدرتهم الشرائية، في ظل انعدام السياسات الاقتصادية الفاعلة، واستمرار الجماعة في فرض جبايات وإتاوات إضافية على التجار والمستهلكين، ما يحول حياة الناس إلى معركة يومية من أجل البقاء.

الغذاء: زيادات صادمة تفوق 200%

بحسب تقرير الرصد المشترك (JMR) الصادر في أغسطس/آب 2025 عن ست وكالات أممية ومنظمات دولية، فإن متوسط أسعار خمس مواد غذائية رئيسية – الفاصوليا، وزيت الطهي، والأرز، والسكر، والقمح – ارتفع بنسبة 205% مقارنة بالأسعار العالمية. وسجلت مادتا الأرز وزيت الطهي الفجوة الأكبر في المؤشر، ما يعكس ضغوطاً مضاعفة على الأسر الفقيرة التي تعتمد على هذه المواد كجزء أساسي من غذائها اليومي.

ووفق التقرير، كانت محافظات الجوف، والمحويت، وحجة الأكثر تضرراً، حيث أظهرت الفوارق بين الأسعار المحلية والعالمية مستويات غير مسبوقة، لتكشف بذلك عمق الأزمة التي يعيشها السكان الذين يعجزون عن توفير الحد الأدنى من احتياجاتهم اليومية.

أما في قطاع الوقود، فأشار التقرير إلى أن أسعار البنزين والديزل في مناطق صنعاء ارتفعت بنسبة 15% خلال يوليو/تموز 2025 مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، وذلك على الرغم من انخفاض أسعار النفط الخام عالمياً بنسبة 6.5% في ذات الفترة.

وذكر التقرير أن أسعار الوقود الرسمية في تلك المناطق تجاوزت المتوسط العالمي بنسبة 123%، في حين سجلت محافظة حجة الفجوة الأكبر على مستوى البلاد، حيث بلغ الفارق 196%، ما يضع سكانها في مواجهة أزمة مضاعفة، خاصة مع اعتماد غالبية الأنشطة الاقتصادية والخدمية على الوقود.

اليمن على حافة المجاعة

لا يقتصر أثر الانهيار الاقتصادي في مناطق سيطرة الحوثيين على ارتفاع الأسعار وتدهور القوة الشرائية فحسب، بل يتجاوز ذلك إلى تهديد مباشر للأمن الغذائي لملايين اليمنيين. فبحسب تقرير المراقبة المشتركة للأمن الغذائي والتغذية (JMR)، يعيش أكثر من نصف السكان – أي نحو 18.1 مليون شخص – حالة انعدام حاد في الأمن الغذائي، مع توقعات بأن يصل 41 ألف شخص إلى مستوى المجاعة (المرحلة الخامسة) بين سبتمبر 2025 وفبراير 2026، في مديريات بمحافظات حجة وعمران والحديدة. هذا الوضع الكارثي يعكس مزيجاً قاتلاً من توقف الرواتب، الغلاء المتفاقم، وانهيار الخدمات الأساسية، وهو ما يجعل الموظفين المحرومين من دخولهم ضمن أكثر الفئات عرضة للجوع.

ويكشف التقرير أن 44% من الأسر اضطرت إلى اعتماد استراتيجيات قاسية للتأقلم، مثل تقليص استهلاك الكبار لصالح الأطفال، بينما تلجأ 54% من الأسر النازحة إلى وسائل أكثر قسوة مثل التسول. وتزداد خطورة الأزمة في ظل التراجع الكبير للمساعدات الإنسانية الدولية، وارتفاع تكاليف الاستيراد، وتضرر الموانئ في البحر الأحمر، وهي عوامل جعلت أسعار السلع في مناطق الحوثيين أعلى بنسبة 205% من المتوسط العالمي. ومع ثبات سعر الصرف في صنعاء عند 536 ريالاً للدولار، إلا أن الواقع المعيشي بقي أشد قسوة بسبب إبقاء الأسعار الفعلية للمواد الغذائية والوقود أعلى بكثير من مستوياتها الطبيعية.

هذا الانهيار، الذي وصفته منظمات دولية بأنه من بين "أشد أزمات سوء التغذية في العالم"، يهدد بتحويل اليمن إلى بؤرة جوع مزمنة، ويضاعف من هشاشة المجتمع الذي يواجه واحدة من أطول الحروب وأكثرها كلفة إنسانية خلال العقد الأخير.

الموظفون الضحية الأكبر

في ظل موجة الغلاء والانفلات السعري غير المسبوق، يتصدر الموظفون في مناطق سيطرة الحوثيين قائمة الضحايا. هؤلاء الذين حُرموا من رواتبهم منذ أكثر من سبع سنوات يعيشون اليوم بين مطرقة الأسعار الجنونية وسندان انعدام مصادر الدخل، فلا مورد ثابت يضمن لهم أبسط متطلبات الحياة، ولا أفق قريب لحل يعيد إليهم حقهم في المرتب الذي يُفترض أنه مصدر عيشهم الوحيد. بات كثير من الموظفين يلجأون إلى أعمال هامشية أو يضطرون للاقتراض بشكل متكرر لتغطية النفقات اليومية، فيما يواجه آخرون خطر التشرد والعجز عن توفير الغذاء والدواء لأسرهم.

ويرى خبراء اقتصاديون أن استمرار الحوثيين في حجب المرتبات، بالتوازي مع فرض جبايات متزايدة وضرائب غير رسمية على المواطنين، خلق بيئة خانقة دفعت شرائح واسعة إلى ما دون خط الفقر. ويؤكد الخبراء أن الفئات الوسطى، التي كانت تقليدياً صمام أمان للاستقرار الاجتماعي، انهارت قدرتها الشرائية بشكل شبه كامل، لتلتحق بالطبقات الأكثر هشاشة.

ويحذر مراقبون من أن هذا الواقع ينذر بموجة اضطرابات اجتماعية متصاعدة، إذ لم يعد لدى الموظفين – الذين يشكّلون العمود الفقري للجهاز الإداري والخدماتي – أي وسيلة لتأمين معيشتهم أو مستقبل أسرهم. ومع استمرار معدلات التضخم وارتفاع تكاليف المعيشة، يقترب الوضع من نقطة الانفجار، في وقت تلوح فيه ملامح كارثة إنسانية قد تتجاوز آثار الحرب المباشرة، لتتحول أزمة الأسعار وحرمان المرتبات إلى قنبلة اجتماعية موقوتة تهدد الاستقرار الهش في اليمن بأسره.

معركة يومية للبقاء

وسط هذا التدهور المعيشي الحاد، أصبحت حياة الناس في مناطق الحوثيين معركة يومية من أجل البقاء، حيث يواجه المواطنون، وخصوصاً الموظفون المحرومون من مرتباتهم، صعوبات مضاعفة لتأمين أبسط متطلبات حياتهم اليومية من غذاء ووقود وأدوية، بينما ترتفع الأسعار بشكل جنوني يفوق قدرة أي فرد على التحمل.

يقول أحد الموظفين، وقد بدا على وجهه الإحباط واليأس: "لم أعد أستطيع شراء الحليب لأطفالي، كل شيء أصبح بعيد المنال، هناك بعض الاحتياجات الأساسية أصبحت للكثير من الأسر رفاهية فهم لا يقدرون على الشراء في ظل الغلاء الفاحش". وفي شهادة أخرى تعكس عمق الأزمة، يقول موظف آخر: "أفكر بالهجرة هربًا من الجوع والفقر، لا أرى مستقبلًا هنا، كل يوم يزداد الوضع سوءًا والرواتب تتلاشى دون أن نشعر بأي تحسن".

هذه الشهادات الإنسانية تكشف عن حجم المعاناة اليومية التي يواجهها السكان، وتعكس تأثير سياسات الحوثيين الاقتصادية على تدهور القدرة الشرائية، وانهيار الخدمات الأساسية، وحرمان الناس من دخلهم المنتظم. ويظل الحرمان من المرتبات مع استمرار الغلاء الفاحش للسلع الأساسية، مثل الغذاء والوقود، عاملًا رئيسيًا يفاقم أزمة الأمن الغذائي ويزيد من معدلات الفقر والمجاعة. في ظل غياب أي حلول عاجلة أو تدخلات فعالة، يظل المواطن العادي أسيرًا لهذه الأزمة، يعيش بين القلق المستمر على مستقبل أسرته واليأس من تحسين ظروف حياته، بينما تتصاعد المخاطر الاجتماعية والاقتصادية على نطاق واسع.

اقتصاد موازٍ يعمّق المعاناة

لا تقتصر أزمة المعيشة في مناطق سيطرة الحوثيين على ارتفاع أسعار الغذاء والوقود إلى مستويات قياسية، بل تمتد جذورها إلى ما وصفته الحكومة الشرعية بـ"الاقتصاد الموازي" الذي أسسته الجماعة منذ استيلائها على صنعاء عام 2014. ووفقاً لتصريحات وزير الإعلام والثقافة والسياحة معمر الإرياني، فقد جنت المليشيا أكثر من 103 مليارات دولار من الأنشطة الاقتصادية والمالية والخدمية الواقعة تحت سيطرتها، غير أنها لم تُوجَّه لتحسين الخدمات أو دفع مرتبات الموظفين، بل استُخدمت في تمويل الحرب وإطالة أمدها.

وأشار الإرياني إلى أن هذه المنظومة الاقتصادية غير المشروعة، التي تقوم على الجبايات والإتاوات وتهريب السلع والاستحواذ على مؤسسات الدولة، كانت عاملاً أساسياً في تفاقم معدلات الفقر وانهيار الخدمات الأساسية. وأضاف أن ما تمارسه الجماعة يتجاوز البعد المحلي، إذ يشكّل امتداداً مباشراً لـ"المشروع التوسعي الإيراني" في المنطقة، داعياً المجتمع الدولي إلى اتخاذ خطوات عملية لتجفيف مصادر تمويل الحوثيين وفرض عقوبات على شبكاتهم الاقتصادية. كما أكد أن الحكومة ستواصل نشر ملفات توثق ما سماه "منظومة النهب والاستنزاف"، التي حولت موارد الدولة والقطاع الخاص إلى وقود للحرب بدلاً من أن تكون دعامة للاستقرار المعيشي والخدماتي.