تلاعب إخواني بمسار العدالة.. إخفاء الأدلة وعرقلة التحقيق في قضية افتهان المشهري
السياسية - منذ ساعتان و 58 دقيقة
تمر أكثر من أربعة أسابيع على اغتيال الشهيدة افتهان المشهري، مديرة صندوق النظافة في تعز، دون أي تقدم ملموس في التحقيقات أو إحالة المتهمين إلى المحاكم. الجريمة التي أثارت إدانات محلية ودولية لا تزال تراوح مكانها بسبب ما وصفه الحقوقيون والمراقبون بـ"العرقلة المتعمدة" من قبل جهات أمنية وعسكرية موالية لحزب الإصلاح الإخواني، والتي تستهدف تعطيل الإجراءات القانونية وتأخير وصول العدالة للضحية وعائلتها.
وعلى الرغم من وضوح جريمة الاغتيال وطبيعتها الممنهجة ووضوح أسماء الأطراف المتورطين فيها، إلا أن ملف القضية شبه مجمد، دون أن يحرز تقدم ملحوظ في التقاضي وإحالة المتهمين إلى القضاء لينالوا جزائهم العادل.
مصادر حقوقية ونشطاء مستقلون في تعز أشاروا إلى وجود عرقلة متعمدة من قبل جهات أمنية وعسكرية موالية لحزب الإصلاح الإخواني في المحافظة من أجل تعطيل الإجراءات القانونية ومحاولة تأخير تقديم المتهمين إلى العدالة. مشيرين إلى أن القضية التي هزت الرأي العام المحلي والدولي وأثارت إدانات واسعة لا تزال الأجهزة الأمنية تماطل في استكمال الملف وتقديمه للقضاء على الرغم من التوجيهات الرئاسية والحكومية.
وكانت الأجهزة الأمنية والعسكرية في مؤتمرها الصحفي المشترك بتاريخ 25 سبتمبر أكدت أنها ضبطت سبعة متهمين متورطين في الحادثة، إلى جانب المتهم الرئيس، محمد صادق المخلافي، الذي قتل بصورة غامضة.
عرقلة الإجراءات
مصرع المتهم الرئيس، محمد صادق المخلافي، لم يُحدث أي تغيير جوهري في واقع التعطيل، إذ ما تزال القيادات الأمنية والعسكرية المتورطة تحظى بحماية ضمنية من قبل جهات نافذة داخل الأجهزة الرسمية. وتشير المعلومات الميدانية إلى أن هناك محاولات مستمرة لتجميد التحقيقات وتأجيل إحالة المتهمين الباقين إلى القضاء، مع العمل على إخفاء أسمائهم ومسؤولياتهم المباشرة في الجريمة. هذا المناخ من المماطلة يثير تساؤلات جدية حول نوايا السلطات العليا في تحقيق العدالة، ويعكس رغبة واضحة في تحويل قضية اغتيال الشهيدة افتهان المشهري إلى مسار يُخدم مصالح سياسية وأمنية لأطراف معينة على حساب الحق العام والمصلحة الوطنية.
تشير المصادر الحقوقية إلى أن الأجهزة الأمنية والنيابية والقضائية في تعز تتعمد البطء في الإجراءات القانونية المتعلقة بالقضية، بما في ذلك التأخير المتعمد في رفع الملفات إلى المحاكم المختصة، مما يمنح المتهمين المتورطين فرصة للتهرب من المساءلة القانونية. وبحسب المعلومات المتوفرة، فإن بعض المتهمين الذين تم استدعاؤهم سابقًا تم الإفراج عنهم في ما وصفه مراقبون بـ"تمثيليات رسمية"، بينما أصدرت الشرطة بيانات تمنحهم صكوك البراءة دون أي محاسبة فعلية، وهو ما يعكس مدى التغطية الممنهجة للقيادات الإخوانية البارزة المتورطة في الجريمة.
هذه العرقلة القانونية لا تقتصر على التباطؤ في التحقيقات أو التأخير في الإجراءات القضائية، بل تمتد لتشمل التلاعب بالمعلومات الرسمية الموجهة للرأي العام، ومحاولات طمس الحقائق المتعلقة بالحادثة. التقارير الرسمية المتفرقة وبيانات الشرطة والقيادات العسكرية تروّج لنسخ متضاربة من الأحداث، بما في ذلك روايات عن "اشتباك مسلح" أو "رصاصة قناص" أدت إلى مقتل المتهم الرئيس، وهو ما تكذبه التحقيقات الجنائية الحديثة. كل هذه الممارسات تكشف عن محاولة واضحة لتبرئة المسؤولين الكبار والتستر على أدوارهم في الجريمة، ما يجعل من تحقيق العدالة مسألة مرتبطة بشكل مباشر بمدى إرادة السلطات العليا في مواجهة النفوذ السياسي للأطراف المتورطة.
حقائق واضحة
وكشفت التحقيقات الجنائية والتقارير الطبية الحديثة أن المتهم الرئيس محمد صادق المخلافي لم يُقتل نتيجة اشتباك أو رصاصة قناص كما أُعلن، بل تم تصفيته داخل الشقة التي كان يتحصن فيها. تقرير التكنيك الجنائي يؤكد أن المخلافي أصيب بمقذوفات من مسافة لا تتجاوز 90 سنتيمترًا، أي أقل من متر واحد، وهو ما ينفي الروايات الرسمية للحملة الأمنية ويؤكد أن مقتله كان عملية مباشرة ومقصودة.
هذه الحقائق تعيد قضية اغتيال الشهيدة افتهان المشهري إلى نقطة الصفر، وتضع علامات استفهام كبيرة حول الجهات التي تحاول تمييع القضية وتهريب المتهمين الباقين، خصوصًا بعد تصريحات قياديين إخوانيين نفت تورطهم في تصفية المخلافي.
ولم تتوقف محاولات التغطية على الجريمة عند حد التستر على المتهمين، بل توسعت لتشمل الاعتداء على الاعتصامات الشعبية تضامنًا مع الشهيدة. فقد اقتحم مسلحون موالون لحزب الإصلاح ساحة العدالة حيث يقيم أهالي الشهيدة مخيم الاعتصام، محاولين إزالة صورة الشهيدة المعلقة في الساحة.
وأوضح ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي أن وجود صورة الشهيدة يمثل ضغطًا مستمرًا على الجهات المتورطة، كونها تذكيرًا يوميًا بالفشل في تقديم الجناة للعدالة وتهديدًا للجهات التي تحاول طمس الحقيقة.
تلاعب متعمّد
ووصف الناشط الحقوقي هاني الجنيد التطورات الأخيرة في قضية اغتيال الشهيدة افتهان المشهري بأنها "خطيرة للغاية"، مشيرًا إلى أن هناك محاولات واضحة لتمييـع القضية من قبل مسؤولين ينتمون لحزب الإصلاح، وعلى رأسهم مدير البحث الجنائي في تعز، جميل الصالحي. وأكد الجنيد أن هذه التدخلات تعكس تحكمًا سياسياً في مسار التحقيقات، بما يُعيق الوصول إلى الحقيقة ويهدد العدالة.
وأوضح الجنيد أن التحقيقات الأولية لم تشمل التحفظ على الأدلة الجوهرية، وأبرزها هواتف كل من القاتل محمد صادق الباسق والمحرّض محمد سعيد المخلافي، رغم أهميتها القصوى في كشف شبكة التخطيط والتنفيذ للجريمة. وقال: "تواصلت مع محامين متخصصين، وأكدوا لي أن الهواتف لم تُحجز ولم تُدرس، وهذا يمثل إخفاقًا جسيمًا واستهدافًا متعمّدًا لمسار العدالة، ويُضعف فرص كشف المتورطين الكبار في الجريمة."
وحذّر الجنيد من خطورة استمرار التعامل مع اللجنة الوطنية للتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان، واصفًا إياها بأنها "جهة تفتقر إلى الحياد وتعمل لمصلحة حزب الإصلاح"، مؤكدًا أن التحقيق يجب أن يتم عبر لجنة دولية محايدة لضمان كشف كل الحقائق وتقديم المسؤولين عن التلاعب والمماطلة إلى العدالة. وأضاف أن هذا التلاعب ليس مجرد إخفاق إداري، بل جزء من استراتيجية ممنهجة لإخفاء أدوار القيادات المتورطة وحماية مصالح سياسية على حساب الحق العام.