جواسيس في الإعلام وشركاء بالمشاريع.. الحوثي في مهمة مزدوجة مع المنظمات الأممية

السياسية - Thursday 16 October 2025 الساعة 10:19 pm
صنعاء، نيوزيمن، خاص:

واصلت ميليشيا الحوثي الإيرانية حملة التحريض العلني والاستهداف الممنهج للمنظمات الأممية العاملة في البلاد، عبر اتهامات "واهية ومضللة"، تهدف إلى تبرير جرائم الاختطاف والنهب والمضايقات التي طالت نحو 60 موظفًا أمميًا خلال الأشهر الماضية، إضافة إلى اقتحام مكاتب المنظمات الإنسانية ونهب تجهيزاتها في العاصمة صنعاء.

وجاء آخر هذه التحريضات في خطاب متلفز لزعيم الجماعة عبد الملك الحوثي، ألقاه الخميس، شنّ خلاله هجومًا حادًا وغير مسبوق على منظمات تابعة للأمم المتحدة، بينها برنامج الأغذية العالمي (WFP) ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف)، متهمًا إياها بالضلوع في "أنشطة تجسسية وعدوانية" لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل، في محاولة لتبرير اعتقال موظفيها المحليين ومصادرة أموالها وممتلكاتها.

وقال الحوثي، في خطابه الذي بثته قناة المسيرة التابعة للجماعة، إن "من أخطر الخلايا التجسسية التي نشطت في البلاد هي من المنتسبين لمنظمات تعمل في المجال الإنساني، ومن أبرزها برنامج الغذاء العالمي واليونيسف"، زاعمًا أن جماعته تمتلك "معلومات قاطعة ودلائل واضحة" على ما وصفه بـ"الدور التجسسي العدواني لتلك الخلايا".

وادعى أن "في جريمة استهداف الحكومة كان هناك دور لخلية تابعة لبرنامج الغذاء العالمي، على رأسها مسؤول الأمن والسلامة في فرع البرنامج باليمن"، وأنها "قامت برصد اجتماع الحكومة والإبلاغ عنه للعدو الإسرائيلي ومواكبة عملية الاستهداف".

ابتزاز علني

ويرى مراقبون أن الخطاب الحوثي الأخير يمثل أعلى درجات التحريض ضد العاملين في المجال الإنساني، ويعكس سياسة ممنهجة لتقويض الثقة بالمنظمات الأممية من أجل السيطرة على التمويلات والإمدادات الإنسانية، وتحويلها إلى مورد مالي يخدم أجندة الجماعة السياسية والعسكرية.

ورغم التحريض العلني ضد المنظمات الدولية، تكشف الوقائع الميدانية عن تناقض صارخ في سلوك قيادة المليشيا الحوثية التي تهاجم المنظمات الأممية من جهة، وتسعى من جهة أخرى إلى استمالتها واستدرار دعمها المالي عبر اللقاءات الرسمية والميدانية.

ففي الوقت الذي يتهم فيه زعيم الجماعة مسؤولي الأمم المتحدة بالتجسس، أظهرت صور حديثة منسق الأمم المتحدة المقيم في اليمن جوليان هارنيس وهو يمسك بيد القيادي الحوثي علي الهاملي وبجواره محافظ صعدة المعين من المليشيا محمد جابر عوض، خلال فعالية نظمتها الجماعة في صعدة تحت مبرر تنفيذ مشاريع إنسانية وتنموية بدعم أممي.

وفي 10 أكتوبر الجاري، عقد القيادي الحوثي إسماعيل المتوكل – المعين وكيلاً لوزارة الخارجية في حكومة الجماعة غير المعترف بها – لقاءً مع الممثلة المقيمة لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) زينة علي أحمد ونائبتها نادية العوالمة، ناقش فيه ما وصفه بـ"تفعيل العمل الإنساني وتجاوز الإشكاليات القائمة"، في محاولة للحصول على مزيد من التمويلات للمشاريع التي تديرها الجماعة.

كما التقى المتوكل مطلع أكتوبر الممثل المقيم للمفوضية السامية لشؤون اللاجئين مارين كاجدومكاج، لبحث آليات "توسيع الاستجابة الإنسانية"، في مشهد يعكس ما وصفه محللون بأنه ازدواجية حوثية مكشوفة بين التحريض الدعائي ضد الأمم المتحدة والسعي المحموم وراء دعمها المالي.

شماعة مفضوحة

هذا التناقض الصارخ لم يمر دون انتقاد حتى من داخل مؤسسات تخضع لسيطرة الجماعة، إذ وجّه النائب البرلماني في برلمان صنعاء عبده بشر انتقادًا لاذعًا للخطاب الدعائي الذي تبرر به المليشيا ممارساتها القمعية، ساخرًا من شعار "من أجل الوطن" الذي تستخدمه لتغطية الانتهاكات.

وقال بشر في تغريدة على منصة "إكس" (تويتر سابقًا): "‏يمارسون الإرهاب والاعتقال والتخوين والنهب والتجويع والحرب والظلم ويكممون الأفواه... وكل هذا من أجل هذا الشعب والوطن: كما تصور لهم شياطينهم".

وأضاف: "كل طرف من جهته لا يرعى إلا ولا ذمة في المواطن والوطن.. إنها لعنة القدر."

ويرى محللون أن تصريح بشر يعكس استياء متناميًا داخل الدوائر الخاضعة للجماعة من النهج القمعي المتناقض الذي تتبعه سلطات الحوثي، والذي يصور القمع والتجويع على أنه "صمود وطني"، في الوقت الذي تتسابق فيه القيادات على نهب موارد المساعدات الإنسانية وتوظيفها لمصالحها الخاصة.

ويرى مراقبون أن الخطاب الأخير لعبد الملك الحوثي وما تلاه من إجراءات ميدانية، يمثل تحولاً خطيراً في علاقة الجماعة بالمجتمع الدولي، ويؤكد أن المليشيا تسعى إلى تحويل العمل الإنساني إلى رهينة سياسية تُستخدم لابتزاز الأمم المتحدة والمانحين، في وقت يعيش فيه ملايين اليمنيين أسوأ أزمة إنسانية في العالم.

معتقل كبير

من جانبه، أكد وزير الإعلام اليمني معمر الإرياني أن ميليشيا الحوثي تمارس "انتهاكات منظمة بحق العاملين في المجال الإنساني"، مشيرًا إلى أن الجماعة نفذت خلال الفترة الماضية حملات مداهمة واقتحام واعتقالات طالت موظفين يمنيين في وكالات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية، ضمن مساعيها لإخضاع العمل الإغاثي وتحويله إلى أداة تمويل لأجندتها التخريبية.

وأوضح الإرياني أن المليشيا فرضت على موظفي الأمم المتحدة توقيع تعهدات بعدم مغادرة صنعاء، وعممت قوائم بأسمائهم على المنافذ، واعتقلت عددًا منهم لدى محاولتهم المغادرة، ما حوّل مناطق سيطرتها إلى "معتقل كبير مغلق" يعيش فيه العاملون الأمميون تحت الإقامة الجبرية.

وأضاف الوزير أن هذه الانتهاكات تُقابل بـ"صمت مريب من الأمم المتحدة ووكالاتها"، التي تكتفي ببيانات مقتضبة دون خطوات عملية لحماية موظفيها المحليين، معتبرًا أن هذا الصمت يشجع المليشيا على التمادي في جرائمها وانتهاكها للقانون الدولي الإنساني.

ودعا الإرياني الأمم المتحدة إلى نقل جميع مكاتبها وموظفيها إلى العاصمة عدن لضمان سلامتهم واستقلالية عملهم الإنساني بعيدًا عن ضغوط المليشيا وابتزازها، مؤكدًا أن مناطق الحوثيين ليست بيئة آمنة أو إنسانية، بل "معتقل كبير يخضع فيه الجميع لرقابة وابتزاز المليشيا"، محمّلًا المنظمة الدولية مسؤولية استمرار هذا الوضع نتيجة "ترددها في اتخاذ موقف حاسم".